أكد الصحفي رواد بلان الصحفي والناشط في الشأن العام في حديث خاص لشبكة شام نيوز إنفو على إذاعة ميلودي إف إم أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا لا يمكن رفعها إلا في ظل حكومة شرعية تحظى بالثقة الدولية، مشيرا إلى أن الخلاف بين الأوروبيين والأمريكيين حول توقيت رفع العقوبات لا يزال قائما. أوضح أن الولايات المتحدة تتريث بينما الأوروبيون أكثر اندفاعا، نظرا لمسؤوليتهم تجاه اللاجئين وسعيهم إلى إعادتهم جزئيا، خصوصا من لم يندمج أو لم يستثمر في بلدان اللجوء.
اعتبر بلان أن إعادة الإعمار قد تكون عاملا دافعا نحو رفع العقوبات، لكن أوروبا بحاجة إلى ضمان الاستقرار وترى أن سوريا يجب أن تمتلك حكومة نظيفة من تبعات الحرب. أشار إلى أن الأوروبيين رغم استعجالهم إلا أنهم قلقون من الوضع في سوريا، مضيفا أن الاستراتيجية الأوروبية تركز على تشكيل حكومة وحماية الاستقرار الإقليمي ومنع ظهور التشدد، ما يجعل أي عملية إعادة إعمار مشروطة ببناء السلام. شدد على أن هذه الرؤية لا تتناقض جوهريا مع الاستراتيجية الأمريكية، لكنها تختلف في التفاصيل، حيث تمتلك واشنطن حسابات أكثر دقة وحساسية تتعلق بتركيا وإيران وأمن إسرائيل، مما يجعلها أكثر تفصيلا في العمليات الإجرائية.
وحول دخول إسرائيل وتركيا بقوة على الساحة السورية لفرض أجنداتهما، رأى بلان أن الإدارة الجديدة في سوريا غير قادرة على التعاطي مع هذه الأجندات بشكل مستقل، مشيرا إلى أن الشرعية لم تُمنح لها بعد. اعتبر أن تشكيل جبهة سورية قوية في الداخل يمثل الحل الوحيد لمواجهة الضغوط الخارجية واستعادة سوريا لدورها الإقليمي، محذرا من أن غياب هذه الجبهة سيجعل سوريا مجرد ورقة في التوازنات الدولية.
وحول تفويض ترامب لتركيا بالتعامل مع الملف السوري، خاصة فيما يتعلق بالشمال والأزمة الكردية، أشار بلان إلى أن واشنطن تدرك تماما دور تركيا في تمويل “الجيش الوطني” في ريف حلب وإدارة العمليات عبر الائتلاف الوطني، مؤكدا أن التفويض جاء للحل وليس لتأزيم الأوضاع أو تقسيم سوريا. شدد على أن تركيا مطالبة بإدراك هذه النقطة، موضحا أن الملف الكردي في سوريا مرتبط أيضا بالملف الكردي داخل تركيا نفسها. أشار إلى أن أنقرة لم تلتزم حتى الآن بحل هذا الملف، مما يشكل خطرا ليس فقط على سوريا، بل على تركيا ذاتها، نظرا للتجارب السابقة التي كبدتها خسائر اقتصادية كبيرة.
رأى بلان أن الحلول العسكرية لن تحقق الاستقرار، داعيا تركيا إلى التفاوض مع الأكراد لإيجاد عقد اجتماعي جديد داخل تركيا، ما سيساهم في تخفيف الضغوط على أكراد سوريا. وحول موقف إدارة الشرع من الأزمة الكردية وامتناعها عن الدخول في صراع عسكري، أكد بلان أن المفاوضات هي السبيل الوحيد للوصول إلى حلول، مشيرا إلى أن تجربة إدارة العمليات في إدلب وشمال حلب أثبتت أن الاقتتال لا يؤدي إلى بناء دولة مستقرة.
اعتبر أن خطر التقسيم مرتبط بإدارة العمليات في دمشق ومدى قدرتها على مد اليد لجميع السوريين بشكل موثوق، محذرا من أن غياب الثقة بين الأطياف السورية قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى. أشار إلى أن تصريحات الإدارة السورية بشأن الأكراد كانت إيجابية، حيث عبرت عن رغبتها في تشكيل جيش سوري محترف، لافتا إلى أن شروط الأكراد للانضمام للجيش تتشابه مع مطالب أبناء السويداء، والتي تتلخص في تشكيل حكومة وطنية شاملة وجيش موحد.
وحول موقف الدول العربية وزيارة وزير الخارجية السعودي ورئيس الاستخبارات التركي إلى دمشق، أكد بلان أن هذه التحركات تعكس اهتماما عربيا بخارطة الطريق السورية، لكنه تساءل عن مدى استعداد القوى السورية للاندماج في هذه الخارطة. أشار إلى أن هناك محاولات واضحة، لكن لم يتم تحقيق نتائج ملموسة حتى الآن، مؤكدا أن ترجمة الأقوال إلى أفعال هي المعيار الأساسي لقياس مدى جدية الأطراف المختلفة.
وفيما يتعلق بشروط وزيرة الخارجية الألمانية، أوضح بلان أن جميع الدول التي زارت دمشق طلبت أمورا متشابهة، مشيرا إلى أن إدارة العمليات لم تنجح بعد في ربط الأقوال بالأفعال، خاصة من الناحية العملية. اعتبر أن تقديم الحكم في سوريا على أنه غير طائفي وغير متشدد يمثل معيارا أساسيا للدول العربية، من مصر إلى السعودية والإمارات وحتى قطر، مشددا على أن أي غياب للتفاعل الإيجابي مع القوى الإقليمية سيؤدي إلى تعقيد المشهد أكثر.
وحول موقع سوريا في ظل التنافس الإقليمي بين تركيا والسعودية، شدد بلان على أن دمشق يجب أن تتبنى نهجا متوازنا يضمن استقلالية القرار السوري، مشيرا إلى أن تكرار أسلوب النظام السابق في تشكيل وفود تمثل أطيافا معينة لن يكون مقبولا إقليميا أو دوليا. أكد أن جميع الدول تريد رؤية حالة من الاستقرار والتناغم في سوريا، وهو ما يتطلب مشاركة حقيقية لجميع الأطراف السورية.
وفيما يتعلق بالقضية الكردية ومنع الفوضى والتقسيم، اعتبر بلان أن الحل يكمن في بناء الثقة بين جميع السوريين، مشيرا إلى أن هذه الثقة شبه معدومة حاليا. شدد على أن الإرادة السياسية هي العامل الحاسم في تحقيق هذا الهدف، محذرا من أن استمرار التهميش سيؤدي إلى مزيد من التوترات.
وحول الدور الروسي في سوريا، أكد بلان أن العلاقات السورية مع مختلف الدول تحكمها الحكومات التي تدير البلاد، مشيرا إلى أن السياسة لا تعرف الأعداء أو الأصدقاء الدائمين. رأى أن روسيا دولة فاعلة على المستوى الدولي لا يمكن تجاوزها، معتبرا أن التعامل مع موسكو يجب أن يتم وفق المصالح الوطنية السورية وليس عبر الاصطفافات المطلقة. أوضح أن روسيا لم تكن حامية مطلقة لنظام الأسد، بل تعاملت وفق مصالحها، مؤكدا أن المعارضة السورية ارتكبت أخطاء ساهمت في إطالة عمر النظام.
لفت إلى أن روسيا تتبنى حاليا موقفا متوازنا، حيث تدعو إلى رفع العقوبات عن سوريا، لكنها تميز بين العقوبات المفروضة على النظام وتلك التي تستهدف الشعب.
وفيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل بعد التحرير، أوضح بلان أن سوريا ملتزمة بعملية السلام، مشددا على أن أي حكومة قادمة لن تتنازل عن الأراضي السورية، بما فيها الجولان المحتل. اعتبر أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية لن يحقق الأمن لإسرائيل، داعيا الحكومة الشرعية المقبلة إلى إعطاء أولوية لبناء السلام.
وحول تأثير الموقف السوري من إسرائيل على العلاقات مع الولايات المتحدة، خاصة في ظل توجهات ترامب، أشار بلان إلى أن بناء السلام يعد من الملفات الأساسية بالنسبة لواشنطن، لكنه شدد على أن المواقف السياسية لا تُبنى على التصريحات فقط. حذر من أن بعض الفصائل المسلحة التي تتحدث عن معارك خارج الحدود السورية قد تؤثر سلبا على مستقبل سوريا، مشيرا إلى أن المرحلة الجديدة تتطلب خطابا سياسيا واضحا وواقعيا.
وفي ختام حديثه، أكد بلان أن مستقبل سوريا لا يزال غامضا، لكنه شدد على أن السوريين وحدهم هم من سيبنون بلدهم. رأى أن أي محاولات لتقسيم سوريا ستبوء بالفشل كما حدث في الماضي، مشيرا إلى أن الحل يكمن في بناء دولة تقوم على العدالة والمساواة وتحافظ على وحدة البلاد، مؤكدا أن هذا هو الهدف الذي يجب أن يسعى إليه جميع السوريين.