في مقابلة حديثة مع شبكة شام نيوز إنفو عبر إذاعة ميلودي إف إم، تناول الكاتب والمحلل السياسي حسام شعيب قضية الرد الإيراني على اغتيال حسن نصر الله، وتحدث عن أبعاد هذا الرد وتأثيره على العلاقة بين إيران والولايات المتحدة. وذكر شعيب أن الرئيس الإيراني، أثناء زيارته لواشنطن، التقى مسؤولين أمريكيين وأبدى تصريحات توحي برغبة في التهدئة مع الجانب الأمريكي. هذه التصريحات جاءت في وقت حساس، بالتزامن مع اغتيال السيد حسن نصر الله، مما أثار استياء جمهور المقاومة. تساءل شعيب عن ما إذا كان هذا الاستياء هو الذي دفع إيران للاستعجال في ردها على العملية.
في تعليقه على هذا السؤال، أشار الدكتور حسام شعيب إلى أن إيران كانت حتى تلك اللحظة تتجنب الرد المباشر على هذه الاستفزازات، وذلك نتيجة لفهمها الأوسع للمشروع الأمريكي في المنطقة. وأضاف شعيب أن الإصلاحيين الذين يسيطرون على الحكومة الإيرانية الحالية لديهم توجه مختلف عن المحافظين، حيث يسعون لإبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع الغرب، على عكس المحافظين الذين يفضلون قطع كل الجسور مع القوى الغربية. وأشار شعيب إلى تصريحات الرئيس الإيراني في نيويورك، عندما وصف الأمريكيين بأنهم “إخوة”، وهو تعبير غير مألوف من مسؤول إيراني رفيع المستوى، مما أثار حالة من الاستياء بين أنصار المقاومة.
شعيب أعرب عن أمله في أن يكون هناك خطأ في الترجمة، لكنه أكد أن الكلمة وصلت بدقة، ما أثار تساؤلات حول طبيعة هذا التغيير في السياسة الإيرانية. وأضاف أن الهواجس الإيرانية تتعلق بشكل أساسي بملف الطاقة النووية والمفاوضات مع مجموعة خمسة زائد واحد، وأن إيران تعوّل على وجود إدارة ديمقراطية في الولايات المتحدة لتحقيق تقدم في هذه المفاوضات، خاصة بعد تجربة إدارة دونالد ترامب التي اتخذت موقفاً متشدداً تجاه إيران.
وفي سياق الحديث عن اغتيال حسن نصر الله، أشار شعيب إلى أن العملية تجاوزت مجرد استهداف شخصية قيادية في المقاومة اللبنانية، حيث تم تنفيذها باستخدام طائرات أمريكية من طراز إف 15 وإف 16 وصواريخ أمريكية الصنع. وأوضح أن العملية تمت بدقة استخباراتية عالية، تفوق مستوى التجسس التقليدي على الأرض. ورغم محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التنصل من المسؤولية في البداية، إلا أن الحقيقة أصبحت واضحة عندما أكد الجانب الأمريكي أن التنسيق مع إسرائيل لم يحدث إلا بعد العملية.
وفيما يتعلق بالرد الإيراني، أكد شعيب أن الضغوط والمغريات التي تعرضت لها إيران من الولايات المتحدة لعبت دوراً في تأخير الرد الإيراني. وأوضح أن الولايات المتحدة قدمت لإيران عروضاً مغرية في ملفات مثل الملف النووي واليمني والعراقي وحتى اللبناني، في محاولة للتأثير على القرار الإيراني. إلا أن اغتيال حسن نصر الله جعل من الصعب على إيران التراجع، خاصة بعد أن أصابت هذه العملية جمهور المقاومة بخيبة أمل كبيرة.
شعيب أشار إلى أن إيران أصبحت في موقف حرج، فهي لا ترغب في الدخول في حرب واسعة، لكنها مضطرة للرد على الاستفزازات الإسرائيلية. وأضاف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرى في هذه العملية فرصة لتحقيق مكاسب سياسية وتاريخية على حساب إيران، وهو ما يجعل الرد الإيراني أمراً لا مفر منه. وأكد شعيب أن إسرائيل لن تتردد في الرد على أي تحرك إيراني، مشيراً إلى أن الأمر يتجاوز مجرد حرب نفسية، وأن الصراع بين الجانبين قد يتصاعد إلى مواجهات عسكرية.
وفيما يتعلق بتصريحات عباس عرقجي، وزير الخارجية الإيراني، حول وقف إطلاق النار، أشار شعيب إلى أن هذه التصريحات تأتي في سياق توازن دقيق بين الاستعداد للرد العسكري ومحاولة تجنب التصعيد. وأوضح أن إيران تدرك جيداً أن القوة في الميدان هي التي تحدد شروط التفاوض على الطاولة، وأن زيارة عرقجي إلى لبنان وسوريا كانت بمثابة تحدٍ لإسرائيل، خاصة بعد أن تم استهداف الطريق المؤدي من مطار بيروت إلى الضاحية الجنوبية. ومع ذلك، وصلت الطائرة الإيرانية بسلام، مما شكل رسالة قوية بأن إيران لا تزال حاضرة في المنطقة وتحتفظ بنفوذها.
شعيب أوضح أن اللقاءات التي أجراها عرقجي مع المسؤولين اللبنانيين كانت شديدة اللهجة، خاصة في ما يتعلق بمسألة اختيار رئيس جديد للبنان. وأشار إلى أن بعض الأطراف في لبنان والخليج العربي يعتقدون أن غياب حسن نصر الله يشكل فرصة لتغيير المعادلة في لبنان، بما في ذلك محاولة تمرير مشروع نزع سلاح حزب الله. ومع ذلك، أوضح شعيب أن إيران وحزب الله لا يزالان متمسكين بمواقفهما، وأن القرار النهائي في طهران لا يزال بيد القيادة العليا، المتمثلة في المرشد الأعلى علي خامنئي.
في ختام حديثه، أشار شعيب إلى أن إيران، ورغم الخلافات الداخلية بين الإصلاحيين والمحافظين، تتوحد عندما يتعلق الأمر بالقضايا التي تمس الأمن القومي. وأكد أن القيادة الإيرانية اتخذت قراراً حاسماً بالرد على التحديات الخارجية، مشيراً إلى أن هذا القرار يشمل توجيهات مباشرة من المرشد الأعلى بتحريك عملية “الوعد الصادق”، وهو ما يعكس حالة من الاستنفار العالي داخل المؤسسة العسكرية الإيرانية.
في النهاية، يتضح أن إيران تجد نفسها أمام خيارين صعبين: إما التصعيد والدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، أو البحث عن تسوية تحفظ ماء الوجه وتجنب المنطقة المزيد من التصعيد. ولكن في ظل التوترات الراهنة، يبدو أن الخيار العسكري أصبح أقرب من أي وقت مضى، خاصة في ظل استمرار الاستفزازات الإسرائيلية والدعم الأمريكي لها.