اختتمت قمة بريكس أعمالها في قازان الروسية في توقيت يتزامن مع التوترات العالمية، مما يعكس التحديات التي تواجه النظام الاقتصادي الحالي. ووفق ما ذكره المحلل السياسي وعضو مجلس الشعب السابق مهند حاج علي خلال حديثه مع شبكة شام نيوز إنفو على إذاعة ميلودي إف إم، تبرز هذه القمة كحدث كبير في روسيا منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، مشيراً إلى أن العالم ينقسم إلى محورين؛ الشرقي بقيادة روسيا والصين، والغربي بقيادة الولايات المتحدة. الأزمة تعكس عدم التوافق على صيغة اقتصادية جديدة للعالم، حيث لم تعد الدول الشرقية تقبل بالتفرد الأمريكي في السيطرة على الاقتصاد العالمي وطرق التجارة العالمية.
حاج علي أوضح أن النظام الاقتصادي الحالي يمنح الدولار الأمريكي السيطرة الكاملة، ما جعل أمريكا تتحكم في الممرات المائية وطرق الملاحة، رغم الأزمات المالية التي مر بها الدولار نتيجة عدم ارتباطه بأي قيمة مادية ملموسة. هذه الهيمنة الاقتصادية أدت إلى استياء الشرق الذي يمتلك إمكانيات اقتصادية ضخمة، وقد يكون قادراً على التفوق على الاقتصاد الغربي. في العقود الماضية، تراجعت حصة الاقتصاد الأمريكي من 56 بالمئة إلى 33 بالمئة من الاقتصاد العالمي، فيما يميل التوازن لصالح الدول المنتجة في الشرق.
النظام الأمريكي يعتمد على السوق المتوحش وعلى السيطرة على التكنولوجيا، حيث تسيطر أمريكا على الإنترنت والبنية التحتية التقنية العالمية. وأشار حاج علي إلى موقف الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي أعلن أن الشرق قادر على تطوير بدائل خاصة للتقنيات التي تحتكرها أمريكا، بهدف حماية استقلالية اقتصاداتهم وأمنهم التقني. هذه التطورات جعلت من الشرق منافساً قوياً، حيث تستعرض روسيا قوتها العسكرية في أوكرانيا بينما تواصل الصين تعزيز قدراتها العسكرية.
وأكد حاج علي أن القمة شهدت مشاركة 38 دولة، بينها 24 دولة على مستوى رئاسي، رغم المحاولات الغربية لمنع انعقادها. وتعكس هذه المشاركة رغبة تلك الدول في الانضمام إلى نظام اقتصادي متعدد الأقطاب بعيداً عن الهيمنة الأمريكية. ويعد تعدد الأقطاب أمراً واقعاً في النظام العالمي، خاصةً للدول التي تسعى للتخلص من العقوبات الأمريكية التي تعيق تطورها، مثل روسيا والصين وإيران وسوريا. حاج علي استشهد ببوركينا فاسو، التي طردت الجيوش الفرنسية وقررت التعاون مع روسيا والصين على أسس ندية ومصالح متبادلة، مؤكداً أن هذه العلاقات الاقتصادية ستعزز الشراكات السياسية والعسكرية، وتقلل من فرص الصراعات.
وحول مسألة تعدد الأقطاب، أوضح حاج علي أن مفهوم القطبية المتعددة يرتكز على سيادة القانون الدولي واحترام سيادة الدول، بخلاف النهج الأمريكي الذي يفرض شروطه ويتدخل في شؤون الدول الأخرى. اليوم، البريكس تمثل أكثر من 43 بالمئة من الاقتصاد العالمي، كما أن سكانها يشكلون نحو 45 بالمئة من سكان العالم. لذا، فهي تسعى لتقديم نظام مالي بديل لنظام “سويفت” المالي الأمريكي، ما يمنح الدول الأعضاء حرية استخدام العملات المحلية في معاملاتها، ويبعدها عن السيطرة الأمريكية.
فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أشار حاج علي إلى موقف روسيا المؤيد للحقوق الفلسطينية، حيث أصبحت موسكو تمثل قوة مؤثرة في المنطقة، وقادرة على لعب دور وسيط في الصراع العربي الإسرائيلي. الرئيس بوتين اقترح إمكانية استقبال اليهود الروس المقيمين في إسرائيل كخيار لحل الصراع، مشيراً إلى أن هذا قد يسهم في تقليل عدد السكان الإسرائيليين ويضعف موقفهم.
واختتم حاج علي بالإشارة إلى أن العالم يشهد تحولاً نحو الاقتصاد متعدد الأقطاب الذي يمثل خياراً ضرورياً لكثير من الدول النامية التي تسعى لتحقيق الندية والاحترام المتبادل بعيداً عن الهيمنة الغربية.