أوضح الباحث والمحلل السياسي محمود عبد السلام في حديثه مع شبكة شام نيوز إنفو عبر إذاعة ميلودي إف إم أن ما يجري في أوكرانيا يمثل المرحلة التمهيدية الأولى من حرب عالمية ثالثة، لكنها لا تزال حتى اللحظة حرباً تقليدية ضمن الأطر التي شهدناها في الحربين العالميتين الأولى والثانية. وأشار إلى أن التطورات الأخيرة التي صدرت عن الجانب الروسي قد تكون رسالة تحذيرية أخيرة تجاه الاستفزازات الغربية المتواصلة.
أكد عبد السلام أن سبب وصفه لما يحدث بمرحلة أولية للحرب العالمية الثالثة يعود إلى أن روسيا ما زالت تصف عملياتها بأنها عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا، ولم تصل إلى حد إعلان الحرب رسمياً. وأوضح أن إعلان الحرب يتطلب إجراءات مختلفة على الصعيدين الاقتصادي والإداري، وأن روسيا لم تلجأ إلى هذا التصعيد بعد رغم الخروقات المستمرة من الجانب الأوكراني المدعوم من الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب، الذين تنصلوا من التزاماتهم بموجب اتفاقيات مينسك لعام 2014. تلك الاتفاقيات كانت تهدف إلى حماية أقاليم الدونباس ولوغانسك، حيث يشكل السكان الروس الأغلبية.
أشار عبد السلام إلى أن روسيا حاولت مراراً الحصول على ضمانات من حلف الناتو والولايات المتحدة بعدم السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى الحلف، ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل. وذكر أن خلفية الأزمة تعود إلى انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، حيث تم الاتفاق حينها على منع حلف الناتو من ضم الدول المستقلة عن الاتحاد. ومع ذلك، توسع الحلف ليشمل ثلاثين دولة، معظمها كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي سابقاً، وهو ما اعتبرته روسيا تهديداً مباشراً لأمنها القومي.
تاريخياً، أشار عبد السلام إلى أن مفهوم الدولة الأوكرانية لا يمتلك جذوراً عميقة، موضحاً أن الأراضي الأوكرانية تنقسم إلى شقين؛ أحدهما يتبع روسيا التاريخية والآخر لبولندا. وأضاف أن القيادة السوفييتية في عهد ستالين قسمت أراضي الاتحاد السوفيتي إلى كيانات إدارية، ومنها أوكرانيا، التي أصبحت السلة الغذائية ومركزاً للطاقة والصناعات النووية. وبعد تفكك الاتحاد، تم نقل الترسانة النووية الأوكرانية إلى روسيا الاتحادية.
يرى عبد السلام أن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، أراد تطويق روسيا وحصارها خشية من عودتها كإمبراطورية قوية تشكل تهديداً للمصالح الغربية. لذلك، زحف حلف الناتو نحو حدود روسيا، بما في ذلك نشر الصواريخ والقواعد العسكرية في بولندا وأوكرانيا. وأكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بصفته رجل استخبارات قبل أن يصبح رئيساً، كان مدركاً لهذا الخطر، ما دفعه إلى اتخاذ خطوات دفاعية.
أشار عبد السلام إلى أن الولايات المتحدة قامت مؤخراً بتوسيع قاعدة عسكرية في بولندا تضمنت دفاعات جوية قادرة على الوصول إلى عمق الأراضي الروسية، مما يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الروسي. وذكر أن نشر الصواريخ على الحدود الأوكرانية يعني أن روسيا بالكامل ستكون تحت الهيمنة الأمريكية، وهو أمر لا يمكن لموسكو قبوله.
أوضح عبد السلام أن السبب الحقيقي وراء التصعيد الروسي الأخير هو سماح الإدارة الأمريكية للقوات الأوكرانية باستخدام الصواريخ الأمريكية والبريطانية، بينما روسيا لم تلجأ حتى الآن إلى استخدام مخزونها الاستراتيجي من الذخائر. وبيّن أن الحرب بدأت كعملية عسكرية خاصة لحماية سكان إقليم الدونباس ولوغانسك، لكنها تحولت إلى محاولة غربية لإذلال روسيا عبر دعم أوكرانيا عسكرياً وتعطيل أي جهود دبلوماسية لإنهاء النزاع.
ختاماً، أشار عبد السلام إلى أن الولايات المتحدة كانت وراء إفشال محادثات السلام التي جرت في تركيا بين زيلينسكي وبوتين، والتي كانت قريبة من التوصل إلى اتفاق. ومع اقترابنا من دخول العام الثالث للحرب، يبدو أن الصراع لا يزال مفتوحاً على جميع الاحتمالات، ما يعزز فرضية أن هذه الحرب قد تكون بداية لتحولات جيوسياسية كبرى في العالم.