هل يتراجع ترامب عن وعوده بإنهاء الحرب في أوكرانيا ويفتح مواجهة مع إيران بعد التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وطهران؟
بالتوازي مع تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية وعودته إلى البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني الجاري وسط احتفالية أمريكية زاهية وتاريخية، فإن العديد من دول العالم وحكوماتها تترقب هذا التنصيب وتتهيأ لمواجهة السياسات والخطط والقرارات التي تنتظر ترامب فور دخوله البيت الأبيض، وفي مقدمتها إنهاء الحرب في أوكرانيا لوقف نزيف الأموال التي تدفعها وزارة الدفاع الأمريكية لنظام كييف برئاسة زيلينسكي، الذي يصفه ترامب دائما بأنه أفضل بائع في العالم. بالإضافة إلى ملف إيران النووي، خاصة أن ترامب اغتال في ولايته الأولى قاسم سليماني وألغى الاتفاق النووي الذي عملت على إنجازه الدول الخمس الكبرى وألمانيا لمدة 12 عاما، إلا أن ترامب ألغى الاتفاق بجرة قلم وشدد العقوبات على إيران. وبعد انتخابه رئيسا للمرة الثانية، اتهمها بمحاولة اغتياله في محاولة لتبرير العقوبات التي تقيد إيران وتشُل حركتها، وهي تحاول منذ سنوات التخفيف من آثارها من خلال سياسة المهادنة والانضباط أحيانا، والتحدي والمفاخرة بثرواتها ونفوذها أحيانا أخرى.
ولم يكن توقيت التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ومسعود بزشكيان إلا رسالة من روسيا وإيران إلى الرئيس ترامب وإدارته، مفادها أننا معا سنواجه كل التحديات والعقوبات الغربية. وكان لافتا أن مدة الاتفاقية عشرون عاما قابلة للتمديد وتشمل تعزيز التعاون في مجالات الأمن والدفاع، وتؤكد على أن روسيا وإيران، في حال تعرض أي منهما للعدوان من طرف ثالث، فإن الطرف الآخر لن يقدم أي مساعدة للمعتدي.
الاتفاقية بين موسكو وطهران تعزز السلام في العالم في وقت يحاول فيه الغرب والولايات المتحدة شن حملات إعلامية منسقة تُظهر أن خسارة روسيا في سوريا تعكس تراجع دورها على الساحة الدولية وانكفاءها إلى الداخل وسقوط نظرية تعدد الأقطاب. وبالتالي، يجري الترويج لأن الولايات المتحدة مع قدوم ترامب ستكون الأمر الناهي وسيدة العالم لعشرات السنين القادمة. إلا أن نظرة متأنية للتطورات تُظهر أن التحالف الإيراني الروسي سيكون له تأثير إيجابي في الحفاظ على الأمن والسلام الدوليين، وسيحد بشكل كبير من اندفاعة ترامب تجاه العداء مع إيران، باعتبار أن اتفاقية الشراكة بين البلدين تحتم التزامات سياسية واقتصادية وأمنية روسية تجاه إيران. كما تعد الاتفاقية جرس إنذار من أي محاولات أمريكية لإشعال حرب مع إيران التي ترتبط بعلاقات قوية أيضا مع الصين، وهي الضلع الثالث في مثلث القوة الآسيوية الروسي-الصيني-الإيراني.
ولا شك أن إنهاء الحرب في أوكرانيا وملف إيران النووي لا يقبلان التأجيل عند ترامب، الذي ينظر الكثيرون إلى ولايته الثانية بأنها تاريخية لأنه يشارك بشخصيته ورؤيته الخاصة بشكل فعلي في التغيرات الكبرى على الساحة الدولية. فالولايات المتحدة، التي تشعر بنشوة القوة أكثر من أي وقت مضى منذ فترة الحرب الباردة، تريد أن تمسك بزمام اللعبة الدولية انطلاقا من إنهاء الحرب في أوكرانيا. وتريد أن تستثمر التفاؤل والفرحة الروسية بإعادة انتخاب ترامب على حساب الديمقراطي جو بايدن لإعادة صياغة العلاقات بين واشنطن وموسكو.
أما ترامب، فيرى أن الأموال الأمريكية والأوروبية أولى بها الشعب الأمريكي، خاصة بعد أن ذهبت ألمانيا وفرنسا بعيدا في دعم نظام زيلينسكي لإبقاء الضغوط على روسيا ومواصلة استنزافها وتفكيكها وضرب هيبتها. ولم تُخفِ هذه الدول امتعاضها من عودة ترامب، الذي يردد دائما عدم جدوى حلف الناتو وعدم الحاجة إليه، ويطالب الدول الأوروبية بتمويل الحلف بالتساوي بدلا من الاعتماد على الميزانيات الأمريكية والحماية الأمريكية الكاملة.
ولا شك أيضا أن إعجاب ترامب ببوتين ونظرتهما المشتركة إلى الحياة العائلية والاجتماعية يجعلهما أقرب إلى التفاهم والحوار من الزعماء الأوروبيين، الذين انحدروا إلى الدرك الأسفل في نمط حياتهم العائلية.
في هذا السياق، يبدو أن توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وطهران أبعد إلى حد كبير شبح الحرب. ذلك أن ترامب، رجل الأعمال والتاجر الذي يؤمن بالصفقات السريعة والناجحة والمربحة، سيزيد من الضغط الاقتصادي والسياسي على إيران، وربما يطلب من روسيا المساعدة للعودة إلى الاتفاق النووي بشروط جديدة مقابل فك ارتباط إيران بالمقاومة في المنطقة.
ويرى مراقبون أن طريقة تفكير ترامب في ولايته الثانية لن تكون كولايته الأولى، ما يعني أن خيار الضغط الاقتصادي والسياسي وزعزعة إيران من الداخل قد يكون أكثر احتمالا من الخوض في حروب خاسرة.