قدم الإعلامي والكاتب عماد نداف في حديثه لشبكة شام نيوز إنفو على إذاعة ميلودي إف إم قراءة عميقة حول التاريخ السياسي لسوريا ومساراته التي أدت إلى الوضع الراهن. أشار نداف إلى أن بناء دولة مدنية عادلة تشمل جميع السوريين يجب أن يُنظر إليه في سياق تطور تاريخي طويل بدأ منذ فترة الاستعمار الفرنسي واستمر عبر سلسلة من الانقلابات العسكرية بدءا بانقلاب حسني الزعيم وصولا إلى ما نشهده اليوم.
أكد نداف أن الانقلابات التي بدأت في مطلع الستينات أخذت سوريا بعيدا عن مسار التنمية وأسهمت في زعزعة الهوية الوطنية وضرب البنية الاقتصادية والاجتماعية. أشار إلى أن البلاد كانت تتمتع ببرجوازية قوية وصناعات وزراعة مزدهرة لكن الدكتاتوريات المتعاقبة ألحقت أضرارا بالغة بهذه القاعدة الاقتصادية. وشدد على أن الحقبة الممتدة منذ انقلاب عام 1963 وحتى الآن والتي بلغت ستين عاما اتسمت بالتخبط السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
أوضح نداف أن حزب البعث الذي تولى السلطة بعد انقلاب 1963 لم يكن متجانسا أو صاحب مشروع وطني واضح بل واجه صراعات داخلية بين تيارات متباينة أدت إلى تصفية قادة بارزين مثل صلاح البيطار وميشيل عفلق. وأشار إلى أن هذا الحزب لم يكن مستعدا لتحقيق تعددية سياسية أو بناء نظام مدني مستقر بل قام بتصفية التيارات السياسية واحدة تلو الأخرى حتى أصبح الساحة خالية إلا من السلطة العسكرية.
تناول نداف أيضا مرحلة حكم حافظ الأسد الذي أرسى دعائم نظام استبدادي اتخذ من الدكتاتورية وسيلة لإحكام السيطرة على المجتمع السوري. أكد أن حافظ الأسد أقام هيكلا سياسيا شكليا من خلال الجبهة الوطنية التقدمية والدستور ومجلس الشعب لكنه في الواقع أضعف هذه المؤسسات مما أدى إلى غياب الأحزاب والنقاش السياسي الحقيقي. كما أشار إلى أن توريث الحكم لبشار الأسد كان بمثابة الطامة الكبرى التي عمقت أزمة النظام وأدخلت البلاد في طريق مسدود.
أوضح نداف أن الفراغ السياسي الناتج عن قمع الحركات السياسية أفسح المجال أمام الحركات الدينية التي استطاعت تنظيم نفسها في ظل القمع والتهميش. ولفت إلى أن الثورة التي انطلقت عام 2011 جاءت نتيجة لهذا الفراغ حيث خرج الناس من المساجد لعدم وجود قوى سياسية قادرة على قيادة الحراك الشعبي. وأكد أن غياب الصحافة والحوار السياسي عزز دور القوى الدينية وأدى إلى ظهور فصائل مسلحة مثل داعش.
دعا نداف في حديثه إلى أهمية بناء دولة مدنية تقوم على أساس التنوع والعدالة مؤكدا أن هذا الهدف يتطلب دورا فاعلا للنخب السياسية والحراك الشعبي. أشار إلى أن على الحكومة المؤقتة أن تحدد اتجاهها بوضوح إما نحو بناء دولة مدنية تستوعب جميع الأطياف أو الوقوع في فخ الأوليغارشية. شدد على ضرورة استيعاب جميع التيارات السياسية والدينية والقومية في عملية البناء الوطني لأن سوريا لا يمكن أن تُحكم إلا من خلال نظام سياسي منفتح يحترم تنوع الأطياف والأديان والقوى الاجتماعية.