يصف مراقبون أن اتصال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع أحمد الشرع رئيس سوريا المؤقت بأنها إشارات مريحة، بطبيعة الحال منذ اللحظة الأولى من سقوط نظام حليف روسيا في سوريا، لم يكن هناك أي إشارات سلبية بين موسكو وحكام دمشق الجدد، فبعد ساعات خرجت تصريحات من وزارة الخارجية الروسية لتؤكد أن التنسيق بين هيئة تحرير الشام وبين موسكو لم ينقطع خلال الفترة الماضية. وصدرت بعدها تأكيدات متتالية من الجانبين أن ليس هناك خلافاً جوهرياً يقود إلى قطع العلاقات، وأن العمل جار على إعادة تشكيل وهندسة علاقة جديدة تتناسب مع المتغيرات الحالية وتضمن المصالح المتبادلة، فالبلدان بحاجة إلى الحفاظ على مزاج إيجابي والتنسيق من أجل استمرار ودعم سياق العلاقات الاستراتيجية لتحقيق التوازن المطلوب في منطقة اعتادت الرقص على الصفائح الساخنة،خاصة أن حكام دمشق الجدد بدأت تتبدد ثقتهم بالدعم الأمريكي المنشود من خلال رفع العقوبات عنهم على الأقل وإزالة أسمائهم من اللوائح السوداء، فضلاً عن غياب التنسيق والاتصالات المباشرة بين إدارة دونالد ترامب والإدارة الجديدة في سوريا… هم بحاجة لبدائل أخرى لتعويم موقفهم.
سوريا الجديدة لا تمتلك أي أوراق رابحة تجعلها قادرة على رسم مستقبلها بتغييب إحدى القوى العظمى في العالم، فهي تحتاج إلى مغازلة جميع الأطراف، ليس فقط تركيا التي وضعت كل ثقلها في الملف السوري، و ليس أوروبا لوحدها التي لم تباشر في تنفيذ قرار رفع بعض القيود عن سوريا على أرض الواقع، وليس أمريكا التي تتجاهل الإدارة السورية الجديدة بوضوح … وهنا يطرح تساؤل مهم ماذا تريد دمشق الجديدة من موسكو؟؟
تسعى دمشق لتحقيق تموضع جيوسياسي لها ضمن المحاور الدولية والإقليمية دون صدام مع أي منهم بما يحقق تطلعات حكامها، ومع تعقيدات هويتها الناجمة عن موقعها الاستراتيجي وتداخل مصالح القوى
الإقليمية والدولية فيها، تحاول عدم الاصطفاف المطلق خلف محور واحد قبل أن يكون هناك مقابل وبدائل تستحق ذلك، لن تتخلى عن دولة مهمة وعضو في مجلس الأمن ولاعب دولي مهم مثل روسيا،
إذ أن الاعتراف الدولي بسوريا اليوم يرتبط إلى حد كبير بكلمة روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، فإذا ما تعرض حكام دمشق الجدد لضغوط قصوى من أوروبا
وأمريكا، سيكون مفيداً لها استثمار علاقاتها مع موسكو لتأمين غطاء دولي لها، إذا ما تعهدت الأخيرة بتوفير دعم سياسي ودبلوماسي في المحافل الدولية، وضمان
الحماية من أي ضغوط غربية أو إقليمية، وربما ستفعل ذلك بعد أن كانت أول المبادرين في مجلس الأمن للدعوة إلى رفع العقوبات عن سوريا بعد سقوط النظام.
موسكو تختلف عن الدول الغربية وأمريكا، ويكمن اختلافها بأنها لا تتدخل بالشؤون الداخلية للدول كما يفعل المحور الغربي بأسلوب فج، لذلك ربما سيكون تشبيك العلاقات مع روسيا والإبقاء عليها أكثر أريحية بالنسبة لسوريا الجديدة .