واشنطن تتلاعب بمصير السوريين ومستقبلهم وتضع حكومة دمشق أمام خيارات صعبة وتواصل سياسة التدمير الممنهج لاستكمال مشروعها في المنطقة لخدمة إسرائيل
تمارس واشنطن في سياستها مع الحكومة السورية التنمر وتضع الشروط التعجيزية للاعتراف بها وشرعنتها. وفي الوقت نفسه تدعم الحركات الانفصالية في شرق البلاد وتتعامى عن الاعتداءات الإسرائيلية وتسعى لفرض واقع جديد لا يمت بصلة إلى التاريخ السوري والهوية والدور الذي طالما لعبته سورية في المنطقة.
ترفض أمريكا رفع العقوبات وتدعم الإرهاب وكل الجماعات المناهضة للحكومة الجديدة وتروج الشائعات وتبث الأكاذيب حول اتجاه سورية إلى الحرب من جديد فتحذر من زيارتها ويصرح المسؤولون الأمريكيون بما هب ودب عن سورية. فمنهم كالرئيس لا يعتبرها هامة ولا ذات معنى لبلاده ومنهم من يحذر من زيارتها لأنها تشكل خطراً من شمالها إلى جنوبها كوزير الخارجية ماركو روبيو. أما أعضاء الكونغرس فإنهم يؤكدون أن زيارتهم لسورية للاطلاع على أحوالها وأوضاعها وكأنهم يتحدثون عن جزيرة نائية وليس عن سورية التي لا تزال تحت المجهر الأمريكي وفي مجلس الأمن حاضرة منذ أربعة عشر عاماً وقبل ذلك كانت منذ اغتيال الحريري في لبنان واتهام سورية بالجريمة.
أما البنتاغون فإن حكايته مع سورية تشيب الأطفال. فأمريكا تريد الانسحاب من سورية وتريد السلامة للشعب السوري ولكن قواتها تسرق وتنهب النفط والغاز وتحرم السوريين من الدواء والطعام. هذا عدا عن انتشار الجيش الأمريكي على مساحات واسعة من سورية حتى ليبدو للمراقبين أن أمريكا تحاصر العاصمة بعد دخول قوات تابعة لها إلى مطار الضمير. عدا عن دعم قسد وعلاقتها مع إسرائيل والحديث عن وجود ضباط إسرائيليين في شرق البلاد داخل القواعد الأمريكية التي تزعم إدارة ترامب أنها انسحبت منها مع أن المشاهدات اليومية تشير إلى أن أمريكا تزيد من أعداد قواتها وإمداداتها ولا تنقصها كما تزعم.
سياسة إدارة ترامب اتجاه سورية تعتمد الكذب وتحاول أن تمحو من الأذهان تلك الصورة الزاهية عن سورية ودورها ومكانتها عبر الترويج بأن سورية لم تعد على خارطة الاهتمام الأمريكية مع العلم أن كل ما جرى كان بتخطيط ومعرفة أمريكي. والهدف تجهيز المنطقة كلها لإسرائيل وتركيا وحلف الناتو للتفرغ كلياً للمواجهة القادمة مع الصين واعتبار سورية التي كانت ورقة من أوراق التفاوض الرابحة مع إيران وروسيا وقد تحولت هذه الورقة ضد طهران وموسكو وباتت ورقة قوية وضاغطة بيد واشنطن.
واشنطن لم تكتف بكل ذلك بل راحت تستكمل مشروع تدميرها الممنهج والطويل الأمد لسورية عبر الفصل المتعمد بين الشعب ومكوناته وبين الحكومة السورية واستخدام سياسة الغموض والتعتيم لدرجة أن السوريين لا يدركون ما يجري في البلاد من شدة العقوبات وانشغالهم في البحث عن لقمة العيش على مرأى ومسمع وبتخطيط أمريكي واضح. وحتى قطر والسعودية تحتاجان إلى أخذ الأوامر من واشنطن من أجل السماح لهما بتقديم المساعدات الإنسانية لسورية. عدا عن الضغوط الهائلة على حكومة دمشق لمنعها من أي إنجاز والتعامل مع مكونات الشعب السوري بدلاً من التعامل مباشرة مع الحكومة. عدا عن التدخل المباشر في كل شاردة وواردة خاصة بعد أن أصبحت إدارة ترامب الآمر الناهي في المنطقة بعد أن سقط نظام الأسد وحققت الثورة السورية المدعومة من تركيا والدول الحليفة لواشنطن الانتصار الكاسح في الثامن من كانون الأول عام 2024.
ومن سخرية القدر أن السياسة الأمريكية والمطالب الأمريكية تتطابق مع السياسة والمطالب الإسرائيلية ويتم التنسيق بين نتنياهو المنتفخ والمنتشي بانتصاراته في غزة ولبنان وسورية والمنطقة، وبين إدارة ترامب الجمهورية لتركيع سورية وسلبها مقومات سيادتها ووحدتها بما يحقق المخططات الأمريكية والإسرائيلية المعدة للمنطقة دون أي اعتراض أو التزامات دولية مع الدفع باتجاه المزيد من الفرقة والفوضى والانقسام بين السوريين. ليس بين مكون وآخر أو طائفة وأخرى وإنما أيضاً بين متدين وعلماني وعسكري ومدني ونشر سياسة التخويف بين أفراد الشعب. وهذه ليست سياسة جديدة وإنما هي سياسة قديمة ولكن الجديد هو حجم الكذب والنفاق الأمريكي من خلال رفض رفع العقوبات الاقتصادية لحين قبول الحكومة السورية بالشروط الأمريكية التي لا تنتهي والتي تبدأ بطرد المقاتلين والقادة الأجانب من وزارة الدفاع السورية ولا تنتهي بالتطبيع مع إسرائيل والقبول بتوقيع اتفاقية مع كيان الاحتلال. واستغلال الوضع الصعب والظروف الأمنية والاقتصادية القاسية التي تعيشها سورية لتركيعها وإضعافها أمام إسرائيل وتركيا اللتين تتسابقان بدعم أمريكي لإلغاء الدور السياسي التقليدي لسورية عبر الادعاء بأن حكومة دمشق متطرفة مع أن القاصي والداني والصغير والكبير يعرف أن واشنطن وراء كل ما حصل في سورية. ولو كانت واشنطن جادة في إحلال الأمن والاستقرار فيها لما احتج الأمر أكثر من تصريح واحد يدعو إلى السلام بدلاً عن ممارسة كل هذه العنتريات والصلف والفوقية والتنمر ضد حكومة دمشق التي تسعى بكل السبل لتجنب الصدام مع إدارة ترامب وتحاول استرضاءها وتنفيذ كل المتطلبات التي تخدم هدف رفع العقوبات الأمريكية الأحادية واستعادة الأمن والاستقرار حتى بات السوريون ينشدون السلامة لا أكثر ولا أقل.