يتفق الجميع على أن الأوضاع في سوريا ما زالت هشة، رغم جميع محاولات تصدير أجواء قيّمة من الانتصارات التي يصفها العديد من الأطراف بالانتصارات الاستراتيجية المحققة منذ سقوط النظام، إلا أن التطورات الأخيرة ، بدءاً من جلسة مجلس الأمن التي وجهت تحذيرات ورسائل يشوبها التهديد
للإدارة السورية الجديدة، وصولاً إلى عقد مؤتمر الحوار الكردي وتشكيل وفد موحد للتفاوض مع دمشق، كل ذلك لم يمضِ كما تتوقع وترغب به السلطات السورية الجديدة، والواقع
يشير إلى محاصرة السلطة والضغط عليها بحزمة من المواقف والتصريحات والبيانات المحرجة التي تضعها أمام تحديات هائلة وضرورة إظهار المزيد من البراغماتية في التعامل مع ملفات شائكة لرسم مستقبل الدولة سياسياً ما بعد الأسد، وعلى رأس القائمة الانتقال السياسي الشامل، ومحاسبة المسؤولين عن مجازر الساحل السوري وموضوع المقاتلين الأجانب، الملف الذي يضع سوريا في خانة الدول عالية الخطورة.
الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ، وخصوصاً أمريكا بريطانيا وفرنسا ، لا تزال تتعامل مع التطورات في الملف السوري على أساس أن واقع الإدارة السورية الجديدة لم يشهد تغييراً جوهرياً كما كان منتظراً منهم، بل
أن التغيير استهدف بعض الشخصيات التي لا تمتلك ثقلاً وتأثيراً في القرار السوري الداخلي، وعلى هذا الأساس كان الخطاب الموجه بالأمس في مجلس الأمن للسلطات الجديدة في دمشق يغلب عليه الطابع التهديدي والإملاءات وكذلك مطالب “هي نفسها”يكررونها منذ سقوط النظام ، تحقيقها بات ملحاً وضرورياً لتسريع الاعتراف الرسمي بشرعية الحكومة والقائمين عليها وبالتالي تعبيد الطريق أمام رفع العقوبات بشكل فعلي والعمل على تحسين الواقع الاقتصادي وإعادة الإعمار وحل بقية المشكلات العالقة.
بالفعل ، رُفع العلم السوري الجديد في أروقة الأمم المتحدة بالأمس، البعض اعتبره تطوراً مهماً وإيجابياً على صعيد الاعتراف بالسلطات الجديدة، لكن يبقى هذا الأمر لا يحمل أهمية كبيرة أمام العقبات والملفات المعقدة التي وضعت في جعبة وزير الخارجية أسعد الشيباني ليعود بها إلى دمشق لمناقشتها وإظهار جهود جدية لحلّها بالسرعة القصوى، الكرة اليوم في ملعب دمشق، وفي
الواقع هناك جهود تبذلها لطمأنة أمريكا واسرائيل والدول المجاورة بأنها لن تشكل خطراً عليها أبداً، لكن يبدو أن هذه التصريحات غير كافية أمام واقع التحركات الداخلية التي تحاول الالتفاف على مطالب الدول العظمى لتجنيس المقاتلين الأجانب وضمهم لصفوف الجيش السوري الجديد، عدا عن قرار تمديد عمل لجنة تقصي الحقائق في مجازر الساحل السوري ، والتي علق عليها الغرب بأنها خطوة غير مبررة ، لكن مع ذلك هم ينتظرون النتائج !
حتى أن الولايات المتحدة لم يلفتها على ما يبدو ردَّ سوريا كتابياً على قائمة شروطها لرفع جزئي محتمل للعقوبات،، على الرغم من أن دمشق بدأت باتخاذ تدابير لبناء الثقة وقالت أنها طبقت معظم الشروط مثل التعهد بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية مهمته البحث عن الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس، وإجراءات التعامل مع مخزونات الأسلحة الكيميائية، ومنها تعزيز روابط الاتصال مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، لكن الرسالة كان ينقصها الكثير من الأجوبة، ولم تورد الكثير من التفاصيل عن مطالب رئيسية أخرى لا تقل أهمية عن غيرها مثل إبعاد المقاتلين الأجانب ومنح الولايات المتحدة الإذن بشن ضربات لمكافحة الإرهاب.
الأنظار الدولية تراقب أيضاً ما ستؤول إليه الأمور بين الإدارة السورية الجديدة وموقفها مع الأكراد بعد عقد المؤتمر الوطني الكردي اليوم في القامشلي وإصدار بيان يتضمن مطالب جريئة ومحقة، كما تراقب كيفية تعامل أحمد الشرع رئيس المرحلة الانتقالية مع ورقة الحل والمشروع الكردي المقترح لمستقبل سوريا، والذي يتضمن صيغة
فدرالية من ضمن المقترحات المطروحة على الطاولة ، هذه الصيغة التي رفضتها السلطات الجديدة واعتبرتها سابقاً أنها أشبه بالتقسيم أو الانفصال، إلا
أن الضغوط الدولية المتراكمة على السلطة الجديدة اليوم من الممكن أن يدفعها بعجلة لحل الملف الكردي كما يحلو للأمريكي للحصول على مكاسب تتعلق بالمقاتلين الأجانب
الذين تصر دمشق على عدم التخلي عنهم وتعتبرهم كما يبدو ركناً أساسياً من حكمها ،هذا مجرد احتمال ، لكن هل من الممكن أن يتحقق لها ذلك ؟؟ وهل فعلاً الإدارة
السورية الجديدة بهذه المرحلة الحساسة قادرة على فرض رؤيتها ؟
على العموم ، ليس هنالك مزيداً من الوقت لشرائه ، من جميع الجهات ، الوضع في سوريا اليوم قابل للانهيار في أي لحظة ، و صعب من الناحية الإنسانية و الأمنية و الاقتصادية،
المخاطر تتزايد ، ولا أحد يريد أن تبقى سوريا في حالة عدم استقرار لفترة أطول ، هذه الضغوط الدولية من الأفضل أن تلخصها دمشق و تترجمها باستجابة سريعة، فالفرصة متاحة وصبرهم لم ينفذ بعد!!