الرئيس ترامب من الرياض يعلن رفع العقوبات عن سورية ويلتقي الشرع
فتحت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية مسارات جديدة على طريق السلام والاستقرار في المنطقة بعد عقود من الحروب والفوضى. وفاجأ إعلان ترامب رفع العقوبات عن سورية واجتماعه مع الرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض بحضور الأمير محمد بن سلمان العالم كله… ولم يكن أكثر المتفائلين يظن أن ترامب سيلتقي الشرع وسيرفع العقوبات عن سورية… إلا أن الأمير محمد بن سلمان أراد أن يحول الزيارة إلى إنجاز له ويرسخ نفسه كزعيم إقليمي من البوابة السورية، حيث أن الرهان على رفع العقوبات كان رهاناً خاسراً حتى قبل أيام من زيارة ترامب إلى الرياض والتي لقي فيها استقبالاً باهراً. ولكن كما هي عادة ترامب التي لا يغيرها بين ولايته الأولى والثانية، وهي قدرته على المفاجأة وسرعته في اتخاذ القرارات، وبخاصة الصفقات كونه ينتمي إلى عالم رجال الأعمال أكثر من كونه ينتمي إلى رجال السياسة.
قرار ترامب رفع العقوبات عن سورية غطى على كل لقاءات ترامب مع زعماء الخليج وعلى مباحثاته وخطاباته في كل من الرياض والدوحة وأبوظبي وصولاً إلى إسطنبول التركية التي أكملت مشهدية الانبهار والاهتمام بالتطورات الدراماتيكية في سورية حتى على حساب أهم وأخطر قضية دولية في الوقت الراهن وهي الحرب في أوكرانيا.
لقد كان البعض يعتقد أن المسألة لا تتعدى أنها قضية الحصول على المال من محمد بن سلمان، غير أن فرحة الأخير بالإنجاز الذي تحقق للشعب السوري وخطابات ترامب نفسه والكلمة التي ألقاها الرئيس السوري تؤكد أن ولي عهد السعودية كان يراهن على نجاحه في رفع العقوبات مهما كلفه ذلك من ثمن. وعكست فرحته بهذا الإنجاز صدق نواياه مع أن البعض راح يغمز بقناته بأنه دفع لترامب ثمن هذا القرار التاريخي الذي كان يحتاج إلى سنوات. غير أن الدبلوماسية السعودية التي انتهجها ولي عهد السعودية كانت مثيرة وناجحة لأن الجانب الإنساني كان حاضراً إلى جانب العامل السياسي. وكما يتحدث التلميذ عن شيخه أو معلمه، كذلك كان حديث ترامب عن محمد بن سلمان ودوره في رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية والمستمرة منذ العام 1987 عندما فرض الكونغرس قانون محاسبة سورية وصولاً إلى قانون قيصر الجائر. سيذكر التاريخ زيارة ترامب الثانية في ولايته الثانية إلى الرياض من زاوية الدور السعودي الهام في الملف السوري. وسعي الرياض إلى استلام زمام المبادرة والمساعدة في إعادة الإعمار ودعم حكومة الشرع وذلك مقابل تنفيذ جميع الشروط التي وضعها الرئيس ترامب وإدارته، وفي مقدمتها تغيير حقيقي وملموس في طريقة التعاطي والتصرف كحكومة لها مسؤوليات أمام الشعب السوري وأمام مجلس الأمن ومنظمات حقوق الإنسان عبر المعاملة الحسنة لجميع المكونات على قدر المساواة وفق القانون. وطرد العناصر المتطرفة والمنفلتة داخل وزارة الدفاع والقبول بالسلام مع إسرائيل وكلها شروط قابلة للنقاش، وربما كان قرار رفع العقوبات بداية الطريق الصعب والمعقد بين دمشق وواشنطن. فالرئيس ترامب الذي يحسن إبرام الصفقات يريد أن يحول ولايته الثانية إلى ولاية سياسية بالنسبة لسورية وليس إلى مجرد إبرام صفقات اقتصادية، وربما يسعى ترامب ليسجل اسمه في التاريخ كصانع للسلام بين سورية وإسرائيل وهي فرصة لن يتركها ترامب تضيع من بين يديه، وهذا ما يشجع محمد بن سلمان على لعب هذا الدور تجاه الوضع في سورية. فالسعودية لا تستطيع الذهاب بعيداً في تطبيع العلاقات مع إسرائيل بدون سورية، ولهذا فإن ولي عهد السعودية يريد أن يدفع بسورية أولاً للتوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية قبل السعودية، مستفيداً من الوهن الذي أصاب سورية وحاجتها إلى فترة من الهدوء والسلام لالتقاط الأنفاس.
لقد غيرت زيارة ترامب للخليج طريقة التفكير في المنطقة، ولم يكن أحد يتوقع أن يحصل ما جرى من رفع العقوبات عن سورية حيث لا تزال تجربة العقوبات على العراق ماثلة في الأذهان.
وقد أسكرت الفرحة الحكومة السورية بجميع وزراءها ومؤسساتها، وجاء خطاب الرئيس الشرع ليؤكد على التحول الكبير في اللغة التي يستخدمها وفي الأسلوب حيث طغى على الخطاب اللغة الدبلوماسية وكلمات الثناء والشكر والإطراء للرئيس ترامب وللأمير محمد بن سلمان. ولكن الرؤساء العرب الذين يشعرون اليوم أن دمشق هي أقرب إليهم من أي وقت مضى، واعتبر الشرع أن ما حدث هو إنجاز تاريخي تم تحقيقه بفضل جهود محمد بن سلمان وهو يتمم ويكمل إنجاز التحرير والنصر الذي تحقق في الثامن من كانون الأول الماضي، حيث أن العالم اليوم يتغير جراء القرارات التي يتخذها ترامب لإعادة الاستقرار إلى الشرق الأوسط وإلى أوكرانيا وأوروبا.
ولم تكن سورية حاضرة على الطاولة في اجتماعات ترامب في الرياض وأبوظبي والدوحة بل كانت أيضاً حاضرة في محادثات إسطنبول حيث التقى الوزير أسعد الشيباني مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو بحضور وزير خارجية تركيا هاكان فيدان، وكان الاجتماع بمثابة منح تفويض لتركيا بعد السعودية لتلعب دوراً ونفوذاً واسعاً على الساحة السورية بعد قرار رفع العقوبات بما يضمن تنفيذ الشروط والضمانات الأمريكية، حيث تنضم كل من تركيا وروسيا في إسطنبول إلى السعودية وأمريكا وهما تلعبان دوراً سياسياً وعسكرياً وإنسانياً واسعاً فيما يخص الوضع في سورية.
ومن المتوقع أن تتغير على المستوى العربي والإقليمي والدولي وعلى مستوى العلاقة بين سورية والأمم المتحدة ومنظماتها بعد قرار رفع العقوبات الذي سيفتح الباب من جديد لتعود سورية كدولة طبيعية إلى الأسرة الدولية، وإن كان ذلك رهن بسرعة واشنطن على رفع العقوبات جميعها وربما يحتاج ذلك إلى عدة سنوات ولكن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.
ورغم القرار الأمريكي فإن الأنظار تتجه إلى ما ستفعله حليفتا واشنطن إسرائيل وتركيا وهما تتنافسان بشدة من أجل الاستحواذ على مساحة أكبر من النفوذ على الساحة السورية. وربما في ظل ما أصاب سورية من وهن وضعف خلال فترة الحرب الطويلة فإن إسرائيل باتت تسعى لاحتلال المزيد من الأراضي السورية وهذا سيزيد الطين بلة في وقت لا تخفي تركيا أطماعها في الشمال. وهي تواصل العمل من أجل القضاء على قوات سورية الديمقراطية (قسد)، التي تعتبرها تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وهذه القوات مدعومة بطبيعة الحال من إسرائيل ومن الولايات المتحدة.
والسؤال: هل قرار رفع العقوبات عن سورية سيجلب الخير لسورية وشعبها ويعيد لها السلام أم أنه سيكون بداية التدخل الخارجي وتقسيمها… كل المؤشرات تدل على أن أجواء التفاؤل تطغى على أجواء التشاؤم. وسورية ماضية إلى الاستقرار والأمن والازدهار إن أحسنت حكومتها التعاطي مع التطورات بإيجابية وانفتاح.