الأمـن وهواجس التقسيم تشغل تفكير السوريين…. وموسكو تؤجل القمة الروسية العربية وتفتح أبواب التواصل مع حكومة الشرع… وواشنطن تلغي قانون قيصر وتسير مع موسكو على خط واحد لدعم سورية والمحافظة على وحدتها.
أكثر ما يقلق السوريين ويقض مضاجعهم أنهم لا يزالون بعيدين عن تحقيق الأمن والسلام والوحدة رغم كل الجهود والخطوات التي تقوم بها الحكومة السورية منذ انتصار الثورة في الثامن من كانون الأول الماضي.
ومع أن حكومة الشرع استطاعت أن تقيم جسور التعاون والصداقة مع معظم دول العالم وبخاصة مع الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية ودول إقليمية وازنة كالسعودية وتركيا، واستطاعت أن تحقق خلال عشرة أشهر إنجازا ما كان ليتحقق لسنوات تمثل برفع العقوبات الأمريكية الخانقة وأخطرها قانون قيصر الذي كان قبل أن يصوت مجلس النواب الأمريكي على مشروع إلغائه في التاسع من الشهر الجاري سيفا سياسيا واقتصاديا مسلطا على رقاب السوريين جميعا يقطع عنهم كل أسباب التطور والتقدم والتنمية والحياة…
ومع كل هذه النجاحات السياسية الخارجية فإن الحكومة السورية لا تزال تواجه تحديات داخلية خطيرة وتقف عاجزة عن إعادة جسر الهوة العميقة بين السوريين أنفسهم، حيث تزداد الأوضاع الأمنية تدهورا وتتوسع الانقسامات بين المكونات الأساسية للمجتمع السوري وبخاصة بين الدولة السورية والأكراد في شمال شرق البلاد والذين يطالبون بالانفصال ويرفضون دمج قوات سورية الديمقراطية بوزارة الدفاع وتطبيق اتفاق العاشر من آذار، والذي وصفه وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني خلال مؤتمر صحفي مع نظيره التركي هاكان فيدان في تركيا بأنه لا يزال حبرا على ورق، فقد كان مقررا أن تستعيد الدولة السورية السيطرة على الحدود والممرات مع تركيا والعراق وعلى المطارات وعلى النفط والغاز، ولكن قسد رفضت تنفيذ بنود الاتفاق ورفعت سقف مطالبها ودعت بدعم إسرائيلي إلى الانفصال وإلى إقامة حكم ذاتي كامل في مناطق سيطرتها، الأمر الذي ترفضه الحكومة.
ويبدو أن النجاحات على صعيد السياسة الخارجية التي يقودها الوزير أسعد الشيباني وهو ينتقل بين واشنطن وموسكو وأنقرة وبيروت والرياض وعمان وباريس ولندن معلنا إيمان سورية بالسلام مع جميع دول العالم بما فيها إسرائيل، وحرصها على تحقيق الاستقرار في المنطقة واهتمامها بإعادة إعمار سورية وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، مع الاهتمام الخاص بإقامة أفضل العلاقات مع الولايات المتحدة ومع روسيا الاتحادية.
ومع أن الجميع يعرف الأطماع الإسرائيلية ويتابع الاعتداءات والخروقات داخل الأراضي السورية ودعم حكومة إسرائيل التحركات الانفصالية في الجنوب وشرق الفرات، إلا أن الاشتباكات التي وقعت بين قوات سورية الديمقراطية والجيش العربي السوري في حيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب في السادس من تشرين الأول بعد اكتشاف الجيش لأحد الأنفاق التي تحفرها قسد في المنطقة، كشفت عن تغييرات هامة في الموقف الأمريكي اتجاه قسد حيث وقفت إدارة ترامب إلى جانب الحكومة ودعت قسد بلسان المبعوث الأمريكي إلى سورية توم باراك إلى تنفيذ الاتفاق ووقف التصعيد.. حيث استطاعت واشنطن أن توقف الاشتباكات وتم عقد سلسلة اجتماعات ثنائية وثلاثية بين مظلوم عبدي قائد قوات سورية الديمقراطية والرئيس الشرع في دمشق بحضور قائد القيادة المركزية الأمريكية الوسطى الأدميرال براد كوبر والمبعوث الأمريكي إلى سورية توم باراك، وكذلك اجتمع المسؤولان الأمريكيان قبل ذلك مع قيادة قسد في القامشلي، وتم الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار على كامل خطوط التماس والقتال في حلب والرقة والحسكة وعلى كامل الجغرافيا السورية، وسط تسريبات من أن مظلوم عبدي والقيادية الكردية الهام أحمد رفضا تنفيذ اتفاق العاشر من آذار وأكدا تطلعهم للحكم الذاتي أسوة بأكراد العراق، حيث تؤكد التقارير الإعلامية أن الاجتماعات كشفت عن تعقيدات الوضع خاصة مع تحذيرات الحكومة من أن تركيا تستعد لدخول الحرب في حال رفض الأكراد الاندماج بالجيش السوري، وبعد ساعات من التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار تم خرقه عدة مرات.
ويبدو أن واشنطن تميل إلى التعاون مع الحكومة السورية والحفاظ على وحدة سورية مع إعطاء نوع من الحكم الذاتي للأكراد والاعتراف بهويتهم الثقافية، وهذا الموقف يقترب من مواقف كل من روسيا وتركيا اللتين تدعوان إلى وحدة سورية وترفضان أي تقسيم لها…
وبالتوازي مع الابتهاج والفرحة السورية بتصويت مجلس النواب الأمريكي على إلغاء قانون قيصر باعتباره نصرا تاريخيا وإنجازا للدبلوماسية السورية والشعب السوري وخطوة هامة لدفع عجلة التنمية وإعادة الإعمار وإعادة سورية لتأخذ دورها الطبيعي ومكانتها بين دول المنطقة.. وهي خطوة تستكمل تشكيل الهيئة الانتقالية وإجراء الانتخابات التشريعية والإعلان الدستوري في وقت يجري الحديث عن ترميم الحكومة الحالية قبل نهاية العام، وذلك لإدخال عناصر جديدة ووزراء يمثلون المكونات السورية، وذلك بالتزامن مع الخطوات التي بدأت في وزارة الدفاع السورية بتعيين قيادات وطنية جديدة للجيش بدلا من القيادات والعناصر الأجنبية، والتخلص تدريجيا من الفصائل الأجنبية والتي تتحمل المسؤولية عن جرائم القتل والخطف والتي وقعت في الساحل والسويداء والتي لا يزال المجتمع السوري يعاني منها في معظم المناطق، وكان آخر هذه الجرائم: مقتل أربعة أشخاص في حلب غداة الإعلان عن وقف إطلاق النار بين الجيش وقسد، واستشهاد معلمة أمام مدرستها في حمص برصاص مسلحين… واختطاف طفل من قبل مسلحين في وضح النهار من أمام مدرسته في اللاذقية على مرأى من زملائه الصغار والمعلمين، وهذه الجرائم المتنقلة تهز المجتمع السوري وتؤدي إلى فقدان الثقة بالحكومة والأجهزة الأمنية..
وفي مقابل هذه التحركات والنهوض الأمني والاقتصادي على صعيد الداخل، فقد كان لافتا تطور العلاقات السورية الروسية وعودة زخم اللقاءات والاجتماعات بين المسؤولين في دمشق وموسكو، حيث تقدم روسيا دعمها الكامل للمحافظة على وحدة سورية ومنع تقسيمها.
وفي هذا الإطار فإن روسيا تترقب انعقاد القمة الروسية العربية التي تم الإعلان عن تأجيلها حتى تشرين الثاني القادم بعد أن كانت مقررة في الخامس عشر من الجاري، وتزامن انعقادها مع التطورات المتسارعة في غزة وزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاجئة إلى المنطقة للتوقيع في مصر على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين بعد موافقة نتنياهو وحماس على مبادرة الرئيس ترامب لإنهاء الحرب وإقامة السلام في المنطقة، وهي المبادرة التي يعول عليها ترامب ويعتبرها فرصة له للحصول على جائزة نوبل للسلام، وهي الجائزة التي يحلم بها ويزعم أنه يستحقها مع أنه قصف أياد ودعم جرائم نتنياهو الموصوفة ضد أطفال ونساء وشيوخ غزة وكان نتيجتها أكثر من سبعين ضحية.
وفيما وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف العلاقات بين الحكومة السورية وبلاده بالقوية والتاريخية وبأنها قائمة على الصداقة وليست انتهازية، واستعرض خلال لقاء تلفزيوني بإسهاب تاريخ العلاقات مع سورية خلال فترة الحرب الباردة وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي وبعد استلام الرئيس بوتين مقاليد الحكم، وتطور هذه العلاقات في ظل الحكم الجديد، واستعرض اللقاءات المتعددة التي جمعته مع وزير خارجية سورية أسعد الشيباني، وأكد أن زيارة الشرع المرتقبة لروسيا ستكون مهمة..
وأكد لافروف على أهمية التعاون بين موسكو ودمشق ومستقبل القواعد العسكرية الروسية، مؤكدا أن الرئيس بوتين صرح مرارا بأن روسيا “لن تبقى رغما عن إرادة القيادة السورية”، لكنه أشار إلى أن “القيادة وعدد من دول المنطقة مهتمة ببقاء وجودنا هناك”.
وأوضح أن الوجود العسكري لم يعد يهدف إلى الدعم العسكري للسلطات ضد قوى المعارضة، بل “يجب إعادة صياغة وظيفته”. واقترح أن تكون إحدى المهام الواضحة هي “إنشاء مركز إنساني” يستخدم الميناء والمطار لتوصيل المساعدات الإنسانية من روسيا ودول الخليج إلى الدول الإفريقية، معربا عن الاستعداد لتنسيق التفاصيل وسط “فهم متبادل” و “اهتمام مشترك” بهذا المقترح.
تصريحات لافروف جاءت قبل تأجيل القمة الروسية العربية، حيث ترتبط روسيا بعلاقات تاريخية مع الدول العربية وبخاصة مع سورية والعراق ومصر وليبيا واليمن والجزائر، وقامت حكومة الرئيس بوتين بتطوير هذه العلاقات خلال السنوات الماضية مع الإمارات والسعودية ودول الخليج والسودان أيضا، إضافة إلى علاقاتها مع الجمهوريات العربية السابقة. ومن المتوقع أن يحضر القمة معظم القادة العرب، وتمثل مشاركة الرئيس الشرع أهمية خاصة كما قال الوزير لافروف الذي تعمل بلاده مع الولايات المتحدة على خط واحد من أجل دعم الحكومة السورية الجديدة ومساعدتها على مواجهة التحديات والحفاظ على وحدة البلاد وحماية السيادة من الاعتداءات الإسرائيلية، حيث إن أمريكا رفعت كامل العقوبات بينما دعت روسيا إلى وقف كافة التدخلات في الشؤون الداخلية السورية، وتلك مواقف تدل بوضوح إلى أن تقسيم سورية لا يخدم مصالح روسيا الاتحادية ولا مصالح الولايات المتحدة رغم محاولات إسرائيل استغلال الظروف الصعبة التي تواجهها سورية لفرض التقسيم بحجة حماية الأقليات والمحافظة على الأمن القومي، غير أن واشنطن وموسكو تعملان على خطوط متوازية من أجل تطبيق القرار 2254 الذي يحافظ على وحدة البلاد وسيادتها، وهو القرار الذي يحظى بدعم تركيا والدول العربية أيضا…