يعترف كل مطلع على التطوّرات في الملف التركي – السوري بالقلق من تطوّرات الوضع في شمال شرق سوريا، على الرغم من قرار الكرد بتأجيل الانتخابات المحلية.
بعد سبع سنوات ونيف من التوقيع على اتفاقية سوتشي في 17 أيلول/سبتمبر 2018، وكان متوقّعاً لها أن تساهم في التوصّل إلى حلّ نهائي للأزمة السورية في إطار تفاهمات أستانة، ما زال الوضع صعباً ومعقّداً على صعيد المصالحة التركية ـــــ السورية تارة بوساطة روسية وأخرى إيرانية والآن عراقية، وهي أيضاً بالتنسيق مع بغداد وموسكو.
وقد تحدّثت المعلومات عن مثل هذه الوساطة بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني إلى أنقرة في 21 آذار/مارس الماضي، ليردّ الرئيس إردوغان على هذه الزيارة في 22 نيسان/أبريل حيث زار أربيل أيضاً.
وجاء استقبال الرئيس بوتين لوزير الخارجية هاكان فيدان في 11 حزيران/يونيو الماضي في موسكو، وقيل إنه بحث وإياه العديد من القضايا التي تهمّ العلاقات الثنائية بالإضافة إلى القضايا الإقليمية وفي مقدّمتها سوريا، لتدعم صحة أحاديث الحوار السوري ـــــ التركي.
وهو ما تحدّثت المعلومات عن تفاصيله بعد لقاء بعض المسؤولين العسكريين والاستخباراتيّين السوريين والأتراك في قاعدة حميميم، ولحقت بها التحرّكات العسكرية الروسية والتركية السورية المشتركة في العديد من المناطق المتاخمة لمناطق الوجود العسكري التركي في تل أبيض وعين العرب والباب ومنبج وعفرين وإعزاز، لتعزّز قناعات بعض الأوساط السياسية التي عبّرت عن أملها وتفاؤلها من احتمالات المصالحة القريبة بين الرئيسين الأسد وإردوغان.
وهو ما قد يكتسب وضوحاً أكثر بعد لقاء المسؤولين السوريين والأتراك خلال الأسبوع الجاري في بغداد، والأهمّ من ذلك لقاء الرئيس إردوغان بالرئيس بوتين على هامش قمة منظّمة زعماء منظمة شنغهاي في أستانة من 3 ـــــ 4 تموز/يوليو المقبل.
وتتوقّع الأوساط المقرّبة من الرئيس إردوغان لهذا اللقاء أن يضع النقاط على الحروف على طريق المصالحة النهائية بين دمشق وأنقرة بعد سلسلة من اللقاءات المكثّفة عسكرياً واستخباراتياً ودبلوماسياً، ليتمّ تتويجها بلقاء مرتقب للرئيس إردوغان مع الرئيس الأسد في بغداد، وربما بمشاركة بعض زعماء المنطقة، ومنهم الرئيس السيسي والملك الأردني عبد الله ورئيس الإمارات محمد بن زايد والرئيس الإيراني المنتخب، وذلك قبل الذكرى السنوية الثامنة لاتفاقية سوجي.
وتمّ ترسيخ بنودها في اتفاقية موسكو في 5 آذار/مارس 2020 بعد المواجهة الساخنة بين الجيش الروسي ــــــ السوري مع الجيش التركي في 28 شباط/فبراير، وأودت بحياة 34 من العسكر الأتراك بعد استهداف مسيّرة تركية قبل ذلك بأيام لاجتماع من الضباط السوريين في جوار أعزاز.
وتفسّر الأوساط السياسية كلّ هذه التطوّرات بالقلق التركي ـــــ السوري المشترك من تطوّرات الوضع في شمال شرق سوريا، على الرغم من قرار الكرد بتأجيل الانتخابات المحلية التي كانت مقرّرة في الـ 11 من الشهر الجاري إلى آب/أغسطس المقبل ومن دون تحديد الموعد.
وهو الموضوع الذي سيبحثه الرئيس إردوغان مع الرئيس بايدن خلال لقائهما على هامش القمة الأطلسية في واشنطن من 9 ــــــ 11 تموز/يوليو. وتتوقّع الأوساط الدبلوماسية لهذا اللقاء أن يساهم في تحديد ملامح المرحلة المقبلة في سياسات أنقرة الإقليمية والدولية والتي تهمّ موسكو وواشنطن معاً.
في الوقت الذي تتوقّع فيه المعلومات لنتائج مباحثات إردوغان مع بايدن أن تؤثّر سلباً كان أم إيجاباً على قرار إردوغان في تحديد مراحل المرحلة المقبلة في العلاقة بين دمشق وأنقرة، بعد أن فشلت أنقرة في تحقيق أهدافها من المصالحة مع الرياض وأبو ظبي والقاهرة.
مع استمرار الحديث خلال هذه المرحلة عن استمرار التنسيق التركي ـــــ العراقي لمواجهة تطورات المرحلة المقبلة، ليس فقط في شرق الفرات بل أيضاً شمال العراق، حيث يوجد مسلحو حزب العمال الكردستاني ويتنقّلون من وإلى شمال شرق سوريا وبالتنسيق مع القوات الأميركية.
وتسعى أنقرة وبدعم حليفها الاستراتيجي مسعود البرزاني لمنع كلّ هذه التحرّكات ومنع حزب الاتحاد الكردستاني الديمقراطي السوري من تنفيذ أجندته بدعم أميركي/أطلسي، ليس فقط لضمان المشاريع والمخططات الغربية الخاصة بسوريا والعراق بل إيران وتركيا وحيث يعيش الكرد أيضاً، لمنع الرئيس بوتين من تحقيق أيّ انتصار في المنطقة على حساب السيناريوهات الأميركية قبل وبعد الحسم في غزة وفلسطين عموماً، خاصة مع احتمالات انفجار الوضع العسكري بين الكيان الصهيوني وحزب الله مباشرة.
ومن دون أن تتجاهل الأوساط السياسية والعسكرية التعقيد الخطير في حسابات كلّ الأطراف في إدلب مع المعلومات التي تتحدّث عن تعزيز عسكري للقوات التركية، وهو ما يفعله الجيش السوري المدعوم روسياً في المنطقة.
كلّ ذلك مع استمرار التوتر في إدلب والمناطق التي تسيطر عليها مليشيات هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، حيث التظاهرات المستمرة، ويقال إنها بتحريض من أتباع أنقرة ضد الجولاني وتصرّفات مليشياته الإرهابية ضد سكان المنطقة، بانعكاسات ذلك على واقع اللاجئين السوريين في تركيا بكلّ تعقيداتهم المعروفة. في الوقت الذي لا تخفي فيه مصادر أمنية قلقها من انفجار الوضع في إدلب بانعكاسات ذلك على تركيا، باعتبار أنّ الآلاف من المسلحين هناك من شيشان وأوزبكستان وطاجكستان ومسلمي الإيغور الصينيين، وتطالب بكين وموسكو أنقرة بالقضاء عليهم أو التخلّص منهم بأي شكل كان.
وهو الموضوع الذي يرى فيه الجميع العنصر الأهم الذي يعرقل الحلّ النهائي للأزمة السورية، إلى جانب استمرار الدعم التركي الشامل لما يسمى بالجيش الوطني السوري المعارض الذي تأسس صيف 2019 في أنقرة، ويسيطر الآن على نحو 10% من الأراضي السورية شرق وغرب الفرات بدعم من القوات التركية.
وفي جميع الحالات وأيّاً كانت احتمالات المصالحة السورية ـــــ التركية فقد بات واضحاً أنّ التاريخ سيكرّر نفسه مرة أخرى، ليعود الكرد ورقة تحرّكها رياح القوى الإقليمية والدولية التي أفشلت مخططات مسعود البرزاني في إجراء الاستفتاء الخاص باستقلال كردستان العراق في أيلول/سبتمبر 2017، وهو ما رفضه الجميع وفي مقدّمتهم واشنطن وأنقرة وموسكو وكلّ الأطراف الإقليمية والدولية.
وهذا هو الحال في مجمل معطيات السياسة الداخلية التركية الخاصة بالقضية الكردية والتي دفعت أنقرة في بدايات “الربيع العربي” إلى الحوار مع صالح مسلم، الرئيس المشترك للاتحاد الديمقراطي الكردستاني الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني، ودعوته لزيارة تركيا أكثر من مرة، وعادت تركيا إلى سياساتها التقليدية تجاه الكرد اعتباراً من أواسط 2015، ليكون ذلك السبب الرئيسي في استنجاد الكرد بأميركا، وهي السبب الآن في كلّ مشكلاتهم ومشكلات سوريا والمنطقة عموماً.