الصراع الأوكراني، الذي بات يشكل واحدة من أكثر الأزمات الدولية تعقيدا، يبرز بشكل كبير من خلال استخدام التكنولوجيا المتقدمة ودور الأسلحة الغربية في تغذية هذا الصراع وتعقيد مساراته. في حديث خاص لشبكة شام نيوز إنفو على إذاعة ميلودي إف إم، تناول الأستاذ مهند الحاج علي عدة محاور تتعلق بهذا التصعيد، بدءا من استلام أوكرانيا لصواريخ “أتاكامز” الأمريكية وصولا إلى مواقف الدول الغربية تجاه هذا الصراع ومدى تأثير هذه المواقف على الأرض.
أشار الحاج علي إلى أن أوكرانيا استلمت بالفعل صواريخ “أتاكامز” الأمريكية، لكن استخدامها حتى الآن لا يزال مرهونا بالحصول على الضوء الأخضر من القوى الغربية، مما يعكس التوازنات الحساسة التي تحكم هذه الأزمة. اللافت في هذا السياق هو التباين في مواقف الدول الغربية، حيث شهدنا معارضة ألمانية لاستخدام الأسلحة الألمانية في استهداف الأراضي الروسية. المستشار الألماني أولاف شولتز طلب من الأوكرانيين بشكل واضح عدم استخدام هذه الأسلحة في الهجمات على الأراضي الروسية، وذلك في مسعى يبدو أنه يهدف إلى لعب دور الوسيط بين روسيا وأوروبا، رغم وجود دبابات “ليوبارد” الألمانية على جبهات القتال في أوكرانيا.
هذا الموقف الألماني يعكس قلقا متزايدا في أوروبا من التصعيد المباشر مع روسيا، خاصة في ظل تهديدات موسكو المتكررة بالرد بقوة على أي محاولة لتهديد أمنها. من ناحية أخرى، سمحت بريطانيا لأوكرانيا باستخدام الأسلحة البريطانية في ضرب عمق الأراضي الروسية، مما يزيد من حدة التوتر ويضع أوروبا أمام تحديات أمنية وسياسية خطيرة.
الحاج علي أكد في حديثه أن مشاركة ألمانيا في هذا الصراع من خلال تقديم الأسلحة يُعتبر تصعيدا خطيرا، خاصة عندما يصل الأمر إلى استهداف قلب روسيا. وهذا يفتح الباب أمام روسيا لاستخدام حقها في الدفاع عن نفسها بكل الوسائل المتاحة. بوتين لم يتردد في التهديد بحرب نووية إذا استمر الناتو في تقديم الدعم غير المحدود لأوكرانيا، مشيرا إلى أن روسيا قد لا تلجأ إلى السلاح النووي في الوقت الحالي، لكنها تسعى بكل تأكيد إلى إرسال رسالة ردع قوية إلى الغرب.
في الوقت نفسه، تناول الحاج علي عملية كورسك التي كانت مثار اهتمام كبير في الإعلام الغربي. واعتبر الحاج علي أن العملية، التي رافقها تضخيم إعلامي كبير، كانت تهدف في الأساس إلى اختبار قدرة الجيش الروسي على استيعاب الهجوم الأوكراني. وأوضح أن النقطة التي دخل منها الأوكرانيون لم تكن محصنة بشكل كبير، مما سمح لهم بالتوغل في الأراضي الروسية. ومع ذلك، استغل الروس هذا التوغل ليقوموا بفتح الأرض أمام القوات الأوكرانية، مما أدى إلى انتشارها بشكل مفرط. هذا الانتشار أعطى الفرصة لسلاح الجو الروسي ليتدخل ويوقف الهجوم، مظهرا بذلك قدرة روسيا على التحكم بمسار العمليات العسكرية.
ما يزيد من تعقيد الوضع هو الحملة الإعلامية الغربية التي تضخم من دور الدعم الغربي لأوكرانيا، وتروج لدعوات بزيادة هذا الدعم لمواجهة روسيا. هذه الحملة تأتي في وقت تحاول فيه روسيا تأكيد موقفها عبر وسائل الإعلام أيضا، مرسلة رسائل واضحة بأنها مستعدة للرد على أي تصعيد، وأنها لن تتردد في استخدام كل الوسائل المتاحة لحماية أمنها القومي. التصريحات الروسية، التي تتزامن مع التحركات العسكرية على الأرض، تشير إلى أن موسكو تدرك تماما أبعاد هذا الصراع وأنها مستعدة لتحمل تبعاته مهما كانت.
من الواضح أن الصراع الأوكراني لم يعد مجرد مواجهة عسكرية على الأرض، بل تحول إلى ساحة اختبار حقيقية للتكنولوجيا المتقدمة والأسلحة الغربية، حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق مكاسب على حساب الآخر. في ظل هذه المعطيات، تظل أوروبا محاصرة بين رغبتها في دعم أوكرانيا ومخاوفها من تصعيد قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع روسيا، فيما تواصل موسكو إظهار استعدادها لخوض هذا الصراع إلى نهايته إذا لزم الأمر.