في حديث لبرنامج “المحلل” عبر إذاعة ميلودي إف إم، تناول الباحث والخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية الدكتور محمود عبد السلام تطورات العدوان الإسرائيلي على لبنان وفاعلية المقاومة في التصدي له، مؤكداً أن المقاومة أثبتت حتى الآن تماسكها وقدرتها على إدارة المعركة بمرونة رغم اعتماد إسرائيل على التفوق العسكري والدعم الاستخباراتي الأميركي. أشار عبد السلام إلى أن إسرائيل، ورغم امتلاكها لأحدث تقنيات الطيران والاستطلاع، إلا أنها عاجزة حتى اللحظة عن التقدم البري وتحقيق أي أهداف استراتيجية على الأرض، موضحاً أن المعركة الحالية تكشف نقاط ضعف جوهرية لدى الاحتلال وتوضح الفجوة بين قوته العسكرية وقدرته على فرض إرادته على المقاومة اللبنانية.
بدأ عبد السلام تحليله بالتأكيد على دور الطيران العسكري الإسرائيلي، مبيناً أن التفوق الجوي يمنح إسرائيل قوة نوعية وسرعة في تنفيذ الضربات الجوية، لكنه شدد على أن هذا التفوق غير كافٍ لتحقيق حسم نهائي في الصراع. وفي العلم العسكري، لا يمكن للقوات البرية التقدم بشكل مريح إلا تحت غطاء جوي يوفر الحماية ويمنع المقاومة من استهدافها بشكل مباشر. مع ذلك، لم يتمكن جيش الاحتلال، رغم كل محاولاته، من السيطرة على أي مواقع حيوية أو تثبيت تواجد ثابت على الأرض، حيث تتصدى له المقاومة بإعداد كمائن دقيقة وتكتيكات مرنة تتيح لها صد محاولات التوغل الإسرائيلية. وفي هذا السياق، وصف عبد السلام الوضع العسكري الإسرائيلي بالحرج، حيث يحاول الاحتلال فرض سيطرته باستخدام التفوق الجوي وحده، دون وجود قوات برية فعالة، الأمر الذي يجعل من المستحيل تحقيق سيطرة مستدامة على الأرض.
وعن الفجوة بين الإمكانيات العسكرية لدى الجانبين، أشار عبد السلام إلى أن الترسانة الإسرائيلية، المدعومة من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، تتفوق بشكل كبير من حيث العدد والتقنيات، لكنها، ورغم حجمها، لم تتمكن من تقويض المقاومة التي تعتمد على تكتيكات حرب العصابات والبنية التحتية الدفاعية الذكية. في المقابل، يرى عبد السلام أن إسرائيل تعتمد بشكل شبه كامل على الدعم الاستخباراتي الأميركي، حيث تقوم الأقمار الصناعية الأميركية بالتجسس على مواقع المقاومة وتوفير المعلومات اللازمة لجيش الاحتلال، ما يؤكد أن إسرائيل تفتقر للاعتماد الكامل على قدراتها الذاتية في إدارة المعركة، وتعتمد في معظم خطواتها على الشراكة الوثيقة مع الولايات المتحدة. ويضيف عبد السلام أن هذا الاعتماد قد ينقلب ضد إسرائيل في حال حدوث أي تغيير في السياسة الأميركية أو في حال توقف الدعم الاستخباراتي، ما قد يسبب اختلالا جوهريا في إدارة العمليات العسكرية.
أما على صعيد الهجمات الجوية الإسرائيلية، فقد لفت عبد السلام إلى أن معظم الأهداف التي يتم قصفها تندرج ضمن المناطق المدنية، وتستهدف مبانٍ ومحميات تُعتبر محظورة دوليا، مما يعكس عجز إسرائيل عن الوصول إلى المواقع العسكرية الحقيقية للمقاومة. هذا الاستهداف العشوائي يدل على عدم قدرة الاحتلال على تحديد مواقع محددة للمقاومة، مما يخلق حالة من التخبط العسكري والارتباك داخل جيش الاحتلال الذي يجد نفسه أمام خصم غير تقليدي يصعب استهدافه بالوسائل العسكرية التقليدية. وأضاف عبد السلام أن هذا التخبط يعكس ضعفاً في القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية التي رغم تطورها، لا تتمكن من كشف مواقع الأنفاق والتحصينات الدفاعية التي بنتها المقاومة بجهد وإصرار.
وفيما يتعلق بعمليات الاغتيال، أوضح عبد السلام أن إسرائيل تعتمد منذ سنوات على سياسة استهداف قادة المقاومة، بدءا من عمليات اغتيال قادة فلسطينيين مروراً باستهداف قادة في حزب الله وحماس. ورغم أن هذه الاغتيالات تخلق نوعاً من الضغط على المقاومة، فإنها لم تؤدِّ في أي وقت إلى انهيار صفوفها. المقاومة اللبنانية، كما يشير عبد السلام، تعتمد على بنية لامركزية تمنح وحداتها الميدانية حرية اتخاذ القرارات بشكل مستقل، مما يضمن استمرار العمل حتى في حال تعرض بعض القيادات للاستهداف. ويشير عبد السلام إلى أن إسرائيل، رغم اغتيالها لعدد من رموز المقاومة مثل الشهيد السيد حسن نصر الله وعدد من القادة في حزب الله وحماس، لم تنجح في كسر إرادة المقاومة التي سرعان ما تعوض خسائرها وتعيد ترتيب صفوفها في مواجهة الاحتلال.
على الصعيد الاستخباراتي، أكد عبد السلام أن عمليات التجسس والاغتيال الإسرائيلية ليست قادرة على حسم المعركة بمفردها، بل تظل عنصراً مساعداً فقط. فعلى الرغم من عمليات الاختراق التي تنفذها إسرائيل، والتي تشمل جمع المعلومات والتجسس على القادة، إلا أن المقاومة أثبتت أنها قادرة على تحصين بنيتها الداخلية بشكل فعّال، وهو ما ظهر جلياً في صمودها أمام محاولات إسرائيل المتكررة للنيل منها عبر وسائل مختلفة. وأشار عبد السلام إلى أن الدول الكبرى ذاتها ليست محصنة تماماً ضد الاختراقات، حيث تعرضت الولايات المتحدة وفرنسا في وقت سابق لعمليات تجسس إسرائيلية، مما يثبت أن الاعتماد الكامل على الاستخبارات لا يضمن التفوق أو النصر في المعركة.
وفيما يخص الاجتياح البري، أشار عبد السلام إلى أن الاحتلال الإسرائيلي كان يظن أن نجاحاته الاستخباراتية قد تمهد له الطريق لتوجيه ضربة قاصمة للمقاومة، لكنه فوجئ بأن البنية الدفاعية للمقاومة تظل قوية ومنيعة. وأوضح أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، ورغم حشده لخمس فرق قتالية على الحدود اللبنانية، لم يحقق أي تقدم يُذكر، حيث يفشل في السيطرة على المناطق التي يدخلها، إذ تتبعه المقاومة عبر الكمائن والتصدي المستمر، ما يجبره على التراجع. ويذكر عبد السلام أن الفارق واضح عند المقارنة مع اجتياح بيروت في عام 1982، حيث تمكنت إسرائيل آنذاك من الوصول إلى العاصمة بوقت قصير، في حين تجد نفسها الآن عاجزة عن احتلال قرية واحدة.
عبد السلام أضاف أن هذا العجز دفع إسرائيل للبحث عن وساطة دولية لحفظ ما تبقى من ماء وجهها، إذ لجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتوسط في تحقيق اتفاق لوقف إطلاق النار، في محاولة للهروب من واقع الخسائر الميدانية المتزايدة. يعتبر عبد السلام أن هذه الخطوة تمثل سابقة في تاريخ الصراع، حيث باتت إسرائيل تدرك أن الولايات المتحدة، التي كانت دائما الراعي الأول لها، لم تعد تحظى بالمصداقية المطلوبة كوسيط، خصوصاً في نظر محور المقاومة، ما يعكس تراجعا في قدرة واشنطن على فرض إرادتها في المنطقة.
في ختام حديثه، شدد عبد السلام على أن المقاومة لن تقبل بأي تسوية تمس السيادة اللبنانية أو تضحي بدماء الشهداء الذين ضحوا من أجل الوطن، مؤكداً أن أي اتفاق لن يكون إلا في إطار يحترم حقوق الشعب اللبناني ويحافظ على سيادته. ويشير إلى أن الوساطة الأميركية التي تأتي عادة بعد حملات قصف مكثفة تهدف لتحقيق مكاسب سياسية غير مقبولة لدى المقاومة، موضحاً أن أي مفاوضات تحت تهديد النار لن تثمر عن نتائج تلبي طموحات الشعب اللبناني.