حديث روبيو ووالتز وقبلهما الرئيس ترامب، خلال فترة حكمه السابقة، عن كرد سوريا واهتماماتهم المحتملة بهم يبدو أنه سيكون محور الحديث المستقبلي بين أنقرة وواشنطن.
بعد أن انتهى الرئيس المنتخب ترامب من اختيار الموالين والأوفياء له شخصياً ليكونوا ضمن فريق عمله الجديد، بدأ الحديث مبكراً عن الأهداف المحتملة لسياساته الخارجية، إقليمياً بالنسبة إلى الشرق الأوسط، ودولياً بالنسبة إلى الوضع في أوكرانيا بانعكاسات ذلك على علاقات واشنطن مع روسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي.
فقد اختار ترامب ستيف ويتكوف ليكون مبعوثاً شخصياً له لشؤون الشرق الأوسط، كذلك قام بتعيين جون راتكليف رئيساً لجهاز المخابرات المركزية ( CİA ) وتولسي جابارد مديرة للاستخبارات الوطنية، ومقدم البرامج التلفزيونية بيت هيغسيث وزيراً للدفاع، وكريستي نويم وزيرة للأمن الداخلي، و مايكل والتر مستشاراً للأمن القومي وماركو روبيو وزيراً للخارجية، ومايك هكابي سفيراً لدى الكيان الصهيوني، وأليس سيتافانيك سفيرة في الأمم المتحدة.
وبإلقاء نظرة سريعة على المواقف والتصريحات السابقة لجميع هؤلاء ومن دون الدخول في تفاصيلها، يبدو واضحاً أنه لا فرق بين معظمهم وبين وزراء حكومة نتنياهو والمسؤولين العسكريين والأمنيين في الكيان الصهيوني.
بل في بعض الأحيان يمكن القول إن هؤلاء أكثر صهيونية ويهودية من حكام الكيان حالهم حال جاريد كوشنار، صهر الرئيس ترامب وزوجته إيفانكا التي اعتنقت الدين اليهودي بعد زواجها بجاريد.
وكانت أليس سيتافانيك التي زارت القدس الشهر الماضي وألقت كلمة في الكنيست من أول الذين دعوا الرئيس بايدن إلى قطع التمويل عن “الأونروا” وملاحقة العاملين فيها بحجة تضامنهم مع حماس.
وأما كريستي نويم فقد أعلنت وأكثر مرة عن ولائها المطلق لـ”إسرائيل” متهمة كل من ينتقد “إسرائيل” بالعداء للسامية، مشددة على ضرورة القضاء على حماس كشرط أساسي لتحقيق أمن “إسرائيل” إلى الأبد.
وأما مايك هكابي فهو الأكثر صهيونية إذ قال أكثر من مرة إنه لا يوجد شيء اسمه فلسطين أو الضفة الغربية، فالمنطقة برمتها تعني أرض “إسرائيل” التاريخية، وهذا ما تحدث عنه مايكل والتز بصيغة أخرى حاله حال بيت هيغسيث، وكلاهما من أشد الداعمين للكيان الصهيوني.
وكلاهما أيضاً من أشد الداعمين لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، إذ أكّد والتز خلال السنوات الماضية، وأكثر من مرة، ضرورة تقديم جميع أنواع الدعم للوحدات المذكورة، بل وحتى إلى حزب العمال الكردستاني التركي، بما في ذلك منحهم جوازات سفر أميركية، بعد أن اتهم تركيا بانتهاج سياسات عدائية ضد الكرد في سوريا وتركيا.
وهو الانتقاد الذي وجهه ماركو روبيو إلى الرئيس إردوغان متهماً إياه بانتهاج سياسات معادية للديمقراطية وحقوق الإنسان، ودعا إدارة الرئيس بايدن إلى معاقبته ومعاقبة تركيا اقتصادياً ومالياً، وفرض العقوبات عليها مع ضرورة التضامن مع الكرد في تركيا وسوريا.
حديث روبيو ووالتز وقبلهما الرئيس ترامب خلال فترة حكمه السابقة عن كرد سوريا واهتماماتهم المحتملة بهم يبدو أنه سيكون محور الحديث المستقبلي بين أنقرة وواشنطن، بما في ذلك الوجود العسكري التركي في الشمال السوري.
وصادفت كل هذه التطورات تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد جدعون ساعر، إذ قال الأسبوع الماضي “إن الشعب الكردي أمة عظيمة، وهم من الأمم القليلة التي لا تتمتع باستقلال سياسي، لذا فهم حلفاؤنا الطبيعيون، وعلينا أن نعزز علاقاتنا مع المجتمعات الكردية التي كانت ضحية القمع التركي و الإيراني، وأن لمثل هذه العلاقة انعكاسات سياسية وأمنية مهمة بالنسبة إلى إسرائيل“.
ومن دون أن يهمل الوزير ساعر الحديث عن اهتمامات “تل أبيب” بالأقليات الأخرى في المنطقة، ومنها الدروز في سوريا ولبنان، قال عنهم “إنهم حلفاء محتملون لإسرائيل” .
وأما المفاجأة الكبرى في قرارات الرئيس ترامب فقد جاءت باختياره تولسي جابارد مديرة للاستخبارات الوطنية لتكون مسؤولة عن 18 جهازاً للاستخبارات بما فيها المخابرات المركزية.
فقد كانت غابارد (عندما كانت عضوة في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي) من أشد المنتقدين لتدخل إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في الحرب في سوريا، داعية إياه “إلى الحوار مع الرئيس الأسد ودعمه في حربه ضد إرهاب المجموعات الإرهابية“.
وأثارت غابارد ردود فعل عنيفة بعد زيارتها إلى دمشق ولقائها الرئيس الأسد صيف عام 2017، ورفضت أن تصفه “بمجرم حرب” وقالت عنه “إنه ليس عدواً لأميركا كما أن سوريا لا تشكل أي خطر على المصالح الأميركية“.
هذا التناقض في خيارات الرئيس ترامب يعرف الجميع أنه سيرجح الكيان الصهيوني على الجميع، يبدو أنه سيمنح واشنطن المزيد من فرص المساومة مع جميع الأطراف، بما فيها دمشق وطهران وبحث إمكانية الحوار معها من أجل إعادة رسم خريطة المنطقة من جديد وفق المزاج الصهيو/أميركي الذي يعني في نهاية المطاف العودة إلى الاتفاقيات الإبراهيمية بصيغتها الأوسع، لتبدأ من السعودية وتنتهي بباقي الدول العربية، مروراً بتركيا التي سبق لعلاقاتها مع “تل أبيب” أن شهدت العديد من حالات الفتور والتوتر كما هي الحال عليه الآن بعد العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، وعلى الرغم من لقاء الرئيس إردوغان بنتنياهو في نيويورك في 20 أيلول/ سبتمبر 2032 أي قبل أسبوعين من “طوفان الأقصى“.
ومن دون أن يكون واضحاً هل وكيف سيوفق الرئيس ترامب بين توصيات وتقارير غابارد “المتفهمة” لسياسات الرئيس الأسد وحربه ضد المجموعات الإرهابية ومساعي والتز و روبيو للاستفادة من ورقة الكرد في المساومات التي سيقوم بها ترامب مع كل أطراف المنطقة بانعكاسات ذلك على سياساته الدولية، وفي مقدمة ذلك حل الأزمة الأوكرانية وإنهاء الخلافات مع الصين التي يستثمر فيها إيلون ماسك بمليارات الدولارات ويصنع فيها معظم سياراته الكهربائية .
ليكون الاقتصاد في نهاية المطاف الهدف الرئيسي لمخططات ومشاريع الرئيس ترامب للسنوات الأربع القادمة، ما دام هو رجل أعمال وسيحكم واشنطن كرئيس شركة تجارية يهمها الربح من دون أن يبالي بالوسائل، وأياً كانت سياسية أم عقائدية أو دينية وهي واحدة بالنسبة إلى ترامب ذي العقيدة الصهيو/ إمبريالية التي تؤمن بيوم القيامة الذي تحدث عنه نتنياهو أكثر من مرة خلال حرب الإبادة التي يشنها ضد الشعب الفلسطيني والآن اللبناني وأمام أنظار العالم وبشكل خاص أنظمة التواطؤ التي أعلنت ولاءها لترامب بعد انتخابه بدقائق، وهي الآن في انتظار تعليماته وأوامره!