روسيا تستخدم الردع النووي سلاحا لوقف تمدد الناتو شرقا، والرئيس بوتين يقر العقيدة النووية الروسية الجديدة ردا على اعلان بايدن السماح لأوكرانيا بقصف الأراضي الروسية بصواريخ “أتاكمز” الأمريكية.
لم يكن أحد يتوقع أن تنتهي ولاية جو بايدن بهذا السعار والهستيريا العجيبة الغريبة ضد روسيا. فظاهرة الروسوفوبيا التي ينميها الغرب لترهيب أوروبا وشعوبها من روسيا لخدمة الأجندات الأمريكية بشكل خاص تتعاظم وتمتد. وحتى الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن فاجأ الجميع بإعلانه تأييد منح زيلينسكي أسلحة بعيدة المدى، بعد عام من الدعاية الانتخابية التي كانت أوكرانيا إحدى أسلحته للفوز على كامالا هاريس، باعتبار الحرب بلا جدوى، وبأن زيلينسكي لا يمكن أن يهزم روسيا التي انتصرت على نابليون وهتلر.
ثلاثة أعوام من الحرب وموسكو تلتزم الهدوء. وكانت تصرفاتها دائما محسوبة وبلا مغالاة، فالحرب في الميدان هي التي تقرر وتحدد الأهداف. وكانت أهداف روسيا أيضا محقة وواقعية، ولكن الغرب تمادى كثيرا وذهب بعيدا في التصعيد ضدها. ولهذا فإن روسيا ربما اقتنعت اليوم بأنه لابد من مواجهة الغرب لأن السياسة التي انتهجتها حتى الآن منذ بداية الحرب لم تؤد إلى تجنيبها التصعيد الغربي والأمريكي، وصولا إلى إجبار روسيا على اتخاذ إجراءات صارمة. فإذا بالرئيس فلاديمير بوتين، وفي توقيت دقيق جدا بين ولايتين أمريكيتين، يعلن إقرار العقيدة النووية الروسية الجديدة مع كل ما يتطلبه هذا القرار التاريخي من إجراءات ومن التزامات على روسيا تحتم عليها الرد بقوة كبيرة على أي اعتداء غربي على المدنيين باستخدام صواريخ “أتاكمز” التي يبلغ مداها 350 كم.
هذه الصواريخ، وإن كانت تشكل خطرا كبيرا على المدنيين الروس في المدن والبلدات في العمق الروسي، إلا أنها في نهاية المطاف لا تحمل تهديدا خطيرا لروسيا بقدر ما هي توريط لنظام زيلينسكي ومشاركة أمريكية في الحرب، وإعطاء ورقة لنظام كييف ليفاوض فيها بعد أن فقد هذا النظام كل أوراقه في ميدان القتال وفي السياسة الدولية، خاصة بعد تراجع ألمانيا وموافقتها على المفاوضات المرتقبة بين موسكو وكييف بعد أكثر من عام على التصعيد. جاء ذلك إثر المكالمة الهاتفية بين الرئيس بوتين والمستشار الألماني أولاف شولتز الأسبوع الماضي، بعد أيام من فوز ترامب بالانتخابات.
ولا شك أن الهجوم الإرهابي على كورسك الروسية كان من أحد الأسباب التي سرعت إقرار العقيدة الروسية الجديدة. وقد أشارت التصريحات الروسية، ولا سيما تصريح المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف، إلى أن روسيا وقعت البنود الجديدة للعقيدة النووية للجيش الروسي بهدف ردع الغرب والولايات المتحدة من أي تصعيد أو استهداف للأراضي الروسية خلال الفترة المقبلة، وتحديدا حتى شهر يناير المقبل.
أكد رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين أن المحاولات التي تبذلها بعض دول الناتو للانخراط في ضمان شن ضربات بعيدة المدى محتملة لقوات نظام كييف في العمق الروسي لن تبقى دون عقاب. وعلى الضفة الأخرى، أثار الإعلان الروسي موجة من ردود الفعل، وبخاصة في الولايات المتحدة وألمانيا. فقد حذر الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب من أن بلاده قد تكون على أعتاب حرب عالمية ثالثة، مع مشاركة ثلاثة من أبرز أعداء أمريكا، وهي روسيا وكوريا الديمقراطية وإيران، في صراعات ضد حلفائها.
وعلى الرغم من أن ترامب وعد قبل نجاحه بالانتخابات بالعمل على إنهاء الحرب بين موسكو وكييف، لكنه قال مؤخرا إنه لن يعارض السماح لأوكرانيا بمواصلة الضربات داخل روسيا.
من جانبه، أكد المتحدث باسم القيادة الإستراتيجية في البنتاغون بوجوب أن تتحاور إدارته مع روسيا والصين وكوريا الديمقراطية. أما ألمانيا التي أعلنت أنها لن تخضع للتهديدات الروسية وفق تصريحات وزيرة خارجيتها، فقد وضعت خططا لنشر 800 ألف جندي من الناتو في أوكرانيا ووضعت تفاصيل دقيقة حول المباني والبنية التحتية التي يجب حمايتها لاستخدامها من قبل الجيش الألماني، إضافة إلى كيفية استعداد الشركات والمدنيين لمواجهة التهديدات المتزايدة بهدف الاستعداد لسيناريو الحرب العالمية الثالثة، وفق وثائق سرية سربت مؤخرا.
كما تضمنت الوثائق خططا لدفع آليات عسكرية ضخمة عبر الأراضي الألمانية إذا تطلب الأمر تدخل الناتو لدعم أوكرانيا. إضافة إلى ذلك، نصحت ألمانيا مواطنيها بالتحضير لأسوأ السيناريوهات عبر تعزيز الاكتفاء الذاتي، مثل تركيب مولدات ديزل أو حتى توربينات رياح.
المخاوف الغربية من احتمالات رد روسيا على قصف أراضيها بصواريخ بعيدة المدى ناتجة عن المشاركة الفعلية بالحرب على روسيا. والقلق ليس محصورا في ألمانيا، بل في معظم الدول الأوروبية التي تشارك في هذه الحرب.