تصاعدت الأزمة الأوكرانية بشكل ملحوظ مع استمرار التصعيد العسكري والدعم الغربي بقيادة الولايات المتحدة لأوكرانيا. المحلل السياسي الدكتور محمود عبد السلام أشار في حديث لشبكة شام نيوز إنفو إلى أن الدور الأمريكي في هذه الحرب يتجاوز حدود الدعم التقليدي، حيث تعمل واشنطن وحلف الناتو كطرف رئيسي في القتال، في حين أن الخسائر الفادحة التي يتكبدها الجيش الأوكراني تؤكد أن هذا الجيش ليس وحده في ساحة المعركة. معدلات الخسائر البشرية الكبيرة، التي تصل إلى الآلاف يومياً، تعكس استنزافاً غير مسبوق للقدرات البشرية والعسكرية الأوكرانية، ما يجعل من المستحيل استمرار الحرب لفترة أطول من دون تدخل مباشر من الخارج.
بأوامر أمريكية، زجّت أوروبا بمخزونها من الأسلحة، بما في ذلك الدبابات والطائرات القديمة من حقبة الحرب العالمية الثانية، إلى جانب أسلحة حديثة مثل دبابات تشالنجر ودبابات يوبار. ومع ذلك، فإن هذه الجهود لم تحقق أي نصر ملموس على الأرض، بل على العكس، تمكنت روسيا من السيطرة على أكثر من عشرين بالمئة من الأراضي الأوكرانية. الاقتصاد الروسي، على الرغم من العقوبات التي تجاوزت السبعة عشر ألف عقوبة، يستمر في النمو، مما يظهر فشل النهج الأمريكي والغربي في إنهاك روسيا.
أوضح الدكتور عبد السلام أن الولايات المتحدة سعت لتحسين موقفها التفاوضي من خلال دعم هجمات أوكرانية على الأراضي الروسية الأصلية، وليس فقط على المناطق التي استعادتها روسيا. هذه الهجمات، التي استهدفت مناطق مثل كورسك، قوبلت برد روسي صاعق، حيث أظهر الجيش الروسي قدرته على التصدي للتصعيد وفرض موازين جديدة للقوة. استخدام الأسلحة المتطورة مثل صواريخ “أتاكمز” الأمريكية و”ستورم شادو” البريطانية كشف مدى التدخل الأمريكي المباشر في العمليات، ما دفع روسيا إلى الإعلان عن تطوير استراتيجياتها النووية والتحذير باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية إذا استمر استهداف أراضيها.
أطلقت روسيا صاروخاً باليستياً جديداً يحمل اسم “أوريشنيك” ومعه رسالة واضحة للعالم، مفادها أن أي تجاوز للخطوط الحمراء سيقابل برد مزلزل. الصاروخ، الذي وصفه الرئيس بوتين بنفسه بأنه غير قابل للاعتراض، يمثل تحولاً نوعياً في قواعد الاشتباك، حيث يمكنه حمل ستة رؤوس نووية، كل منها قادر على تدمير مدينة بأكملها. هذا الاستعراض للقوة جعل أوروبا تشعر بأنها مكشوفة وغير قادرة على حماية نفسها في حال توسع الصراع.
الدول الأوروبية منقسمة في مواقفها تجاه الأزمة، فبينما تستمر دول مثل بريطانيا وفرنسا في التصعيد، تحاول دول أخرى مثل ألمانيا وهنغاريا البحث عن حلول سلمية خوفاً من التداعيات الكارثية. هذا التباين يعكس عمق الأزمة التي تواجهها أوروبا نتيجة اعتمادها الكلي على الولايات المتحدة، في حين أن الأخيرة تسعى لتمديد الصراع لأسباب سياسية داخلية، أبرزها محاولة إدارة بايدن عرقلة جهود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لإنهاء الحرب.
ترامب، الذي يصفه عبد السلام بأنه أكثر عقلانية في هذا الملف، يبدو مستعداً لإيقاف النزيف المالي والعسكري الناتج عن هذه الحرب. وبدلاً من المضي قدماً في صراع يستنزف موارد أمريكا، يفضل التوصل إلى اتفاق مع روسيا يضمن مصالح الطرفين ويوقف التدهور. تصريحات نجله، التي طالب فيها زيلينسكي بالبحث عن دعم بديل، تعكس استراتيجية الإدارة القادمة في التعامل مع الأزمة.
المشهد الحالي ينبئ بعالم يقف على حافة الحرب العالمية الثالثة، حيث يهدد التصعيد غير المحسوب بنقل المواجهة إلى مستويات غير تقليدية. روسيا، التي أظهرت قدرتها على تجاوز العقوبات والصمود أمام التحالف الغربي، توجه رسالة واضحة: أي محاولة لتهديد أمنها ستقابل بردود غير مسبوقة. ومع اقتراب الانتخابات الأمريكية وتغير القيادة، يبقى التساؤل مطروحاً: هل ستتمكن الإدارة الجديدة من كبح جماح الصراع أم أن العالم على موعد مع كارثة أكبر؟