في مقابلة خاصة أجرتها شبكة شام نيوز إنفو عبر إذاعة ميلودي إف إم، تحدث بشار نوري، نائب رئيس غرفة تجارة دمشق السابق، عن تجربته ومساهماته في تأسيس “هيئة الوفاء لسوريا”، مستعرضا أحداثا ومحطات رئيسية منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011. كشف نوري عن جهود الهيئة في محاولة وقف نزيف الدم في البلاد، مع تسليط الضوء على محاولات تهدئة الوضع في درعا، والضغوط التي تعرض لها نتيجة مواقفه الجريئة، ومآلات الأوضاع التي دفعته إلى مغادرة البلاد.
بدأ النوري حديثه بتوضيح طبيعة “هيئة الوفاء لسوريا”، التي أسسها بمشاركة وجهاء من دمشق ينتمون إلى مختلف الطوائف السورية. الهدف كان استعادة الأمن والحد من تصاعد الأزمة التي بدأت بمظاهرات شعبية سلمية تطالب بالحرية والكرامة. وأكد نوري أن الدافع الأساسي لتأسيس الهيئة كان وطنيا بحتا، بعيدا عن أي انتماءات سياسية.
استرجع النوري اللحظات الأولى لاندلاع الاحتجاجات في درعا، وقراره التوجه إلى المدينة لفتح قنوات حوار مع أهلها وتهدئة الأوضاع. تحدث عن اصطحابه مجموعة من تجار دمشق إلى درعا، وكيف تمكن من التواصل مع وجهاء المنطقة، بما في ذلك عائلات مثل المسالمة والرفاعي والحريري. وشدد على أن المطالب التي حملها أهالي درعا في تلك المرحلة كانت بسيطة ومشروعة، متعلقة بكرامتهم وإطلاق سراح المعتقلين.
من أبرز محطات حديثه كانت زيارته للجامع العمري، الذي اعتبر رمزا للثورة السورية. وصف نوري كيف كان الناس يتجمعون في الجامع للاحتجاج على ممارسات النظام، وكيف شاهد حجم المعاناة والغضب في عيون الأهالي. أثناء زيارته، ألقى كلمة أمام الناس، داعيا إلى نبذ العنف، ومؤكدا أن الحوار هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة.
تحدث النوري أيضا عن اللحظة التي اكتشف فيها المصاحف مرمية على الأرض داخل الجامع العمري. قال إن تلك اللحظة كانت مؤثرة للغاية، حيث التقط المصاحف ووضعها على رأسه احتراما، مما أثار مشاعر الناس الذين كانوا في حالة من الصدمة والحزن.
كما كشف عن لقاء جمعه مع أحد الضباط الميدانيين، حيث استطاع إقناع الأخير بالسماح بمرور جنازة إحدى ضحايا القمع دون التعرض للمشيعين. ووصف هذا الموقف بأنه انعكاس لحجم التوتر داخل المؤسسات الأمنية وكيف كان الكثير من أفرادها ضحايا قرارات قيادية خاطئة.
بعد عودته إلى دمشق، بعث النوري برسائل مباشرة إلى بشار الأسد عبر مكتبه الخاص، محذرا من أن الوضع في درعا قد يخرج عن السيطرة إذا لم يتم اتخاذ خطوات حقيقية لمعالجة مطالب الأهالي. ورغم وضوح تلك الرسائل، أكد نوري أن القيادة لم تستجب لتحذيراته، بل تعاملت مع الوضع بتجاهل واستعلاء، مما أدى إلى تفاقم الأزمة.
تحدث النوري عن المضايقات التي تعرض لها داخل غرفة تجارة دمشق، حيث تم استبعاده من منصبه بقرار وصفه بأنه تعسفي. وأوضح أن استبعاده جاء نتيجة مواقفه الجريئة ومحاولاته لفتح قنوات حوار بين الشعب والنظام. كما أشار إلى استدعائه من قبل حافظ مخلوف، الذي حاول الضغط عليه لإيقاف جهوده في تهدئة الوضع، واصفا تلك الضغوط بأنها مؤشر على عجز النظام عن استيعاب الأزمة.
مع تصاعد الضغوط والتهديدات، وجد النوري نفسه مضطرا لمغادرة سوريا حفاظا على حياته. وقال إنه غادر إلى الولايات المتحدة بعد أن تلقى تهديدات مباشرة بالسجن. وعلى الرغم من ذلك، أكد أنه لا يزال مرتبطا بوطنه، حيث يحتفظ بأعماله واستثماراته في سوريا ويتابعها عن بُعد.
انتقد النوري بشدة أداء النظام السوري في إدارة الأزمة، مشيرا إلى أن القيادة أضاعت العديد من الفرص لإنقاذ البلاد. وأضاف أن دخول أطراف خارجية مثل إيران وروسيا ساهم في تعقيد المشهد، مؤكدا أن النظام تعامل مع الشعب بمنطق القمع، وليس بمنطق الحوار.
شدد النوري على ضرورة تنفيذ القرارات الأممية، وعلى رأسها القرار 2254، الذي يعتبره السبيل الوحيد لإيجاد حل شامل للأزمة السورية. وأكد أن الشعب السوري يستحق العيش بكرامة وحرية، داعيا الجميع إلى العمل من أجل مستقبل أفضل لسوريا.
يلقي هذا الحديث الضوء على محاولات فردية شجاعة لوقف النزيف السوري، وعلى إخفاقات نظام تعامل مع مطالب الشعب بالقمع بدلا من الحوار. وهو شهادة على إرث الثورة، وما قدمه السوريون من تضحيات في سبيل حريتهم وكرامتهم.