“أسمع جعجعة ولا أرى طحينا” هو واقع سوريا اليوم في ظل العقوبات الغربية المفروضة على البلاد منذ عام 1979. هذه العقوبات تم تجديدها في عام 1994 تحت عنوان “قانون محاسبة سوريا”، وتم توسيعها لاحقا لتشمل قطاعات حيوية وضرورية لحياة السوريين بعد صدور قانون قيصر في الخامس عشر من تشرين الثاني عام 2016.
منذ سقوط النظام السوري في الثامن من كانون الأول عام 2024، تشهد دمشق زيارات يومية لوفود أمريكية وأوروبية وعربية، وجميعها تتحدث عن ضرورة رفع العقوبات، ولكن القرارات الفعلية ما زالت غائبة. حتى الرفع الجزئي للعقوبات كان مشروطا، ورغم التصريحات المتكررة للإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني حول ضرورة رفع العقوبات، فإن الولايات المتحدة وأوروبا تستمران في وضع الشروط والتمهل في اتخاذ أي خطوات حاسمة.
رفع جزئي للعقوبات وأثره الأولي
بعد الإعلان عن رفع جزئي لبعض العقوبات الأمريكية على قطاعات الطاقة والكهرباء والدواء والغذاء، أعلنت تركيا وقطر أنهما سترسلان سفينتين لتوليد الكهرباء بقوة إجمالية تقدر بـ800 ميغا واط. هذه الخطوة من المتوقع أن ترفع حصة الفرد من الكهرباء بنسبة 50 بالمئة عن الوضع الحالي. بالتوازي، دخلت الأمم المتحدة على خط الأزمة من خلال التعاون بين وزارة الكهرباء السورية واللجنة الدولية للصليب الأحمر لتأهيل بعض محطات الكهرباء، رغم أن إمكانيات المنظمة الدولية محدودة.
وزارة الخارجية والمغتربين أصدرت بيانا رحبت فيه بخطوة إدارة بايدن برفع العقوبات جزئيا، وأكدت مواصلة مساعيها لتخفيف العقوبات الأوروبية، التي لا تزال مستمرة رغم وعود وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبعثة الاتحاد الأوروبي. حتى الآن، لم يتم تحقيق أي خطوات ملموسة على أرض الواقع، وما زالت العقوبات سارية المفعول.
انعكاسات العقوبات على الاقتصاد السوري
مع تخفيف العقوبات جزئيا، شهد سعر الليرة السورية تحسنا ملموسا، حيث انخفض سعر الدولار من 16 ألف ليرة إلى حدود 10 آلاف ليرة. ينتظر الشارع السوري مزيدا من الخطوات الجريئة من الدول الغربية التي فرضت العقوبات، خاصة أن سبب هذه العقوبات، وهو نظام الأسد، قد سقط في كانون الأول الماضي.
الموقف الأوروبي والأمريكي
رغم التغييرات البسيطة، ما زال الوزراء الأوروبيون الذين يزورون دمشق يكتفون بالوعود دون تقديم أي مساعدات ملموسة. مجلة “الإيكونوميست” البريطانية أشارت إلى محادثات دول الخليج حول تمويل زيادة رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 400 بالمئة، وهي خطوة تعهدت بها الحكومة السورية المؤقتة منذ سقوط النظام، لكنها ما زالت بحاجة لدعم دولي لتنفيذها.
وترى المجلة أن تعافي سوريا من عقد من الحرب المدمرة يتطلب أكثر من إعفاءات تدريجية. ومع ذلك، يبدو أن صناع القرار في الغرب يتبنون نهجا بطيئا في رفع العقوبات، معتبرين أن العقوبات وسيلة ضغط يمكن إعادة فرضها في أي وقت.
انتظار الإدارة الأمريكية الجديدة
بانتظار تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة في العشرين من كانون الثاني، يبدو أن سوريا قد لا تكون أولوية فورية للإدارة الأمريكية الجديدة. أما أوروبا، فقد تكون حركتها أسرع، خاصة بعد زيارات وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا إلى دمشق ولقائهم مع أحمد الشرع.
رغم ذلك، لا تزال أوروبا والولايات المتحدة تكتفيان بتقديم الدعم المعنوي للإدارة السورية الجديدة دون مساعدات ملموسة.
تعقيدات رفع العقوبات
عملية رفع العقوبات تبدو شائكة ومعقدة، وتحتاج إلى تعاون دولي يشمل الولايات المتحدة وأوروبا والأمم المتحدة. أحد العوامل المؤثرة هو ضرورة إخراج “هيئة تحرير الشام” من قوائم الإرهاب، وهو ما يستغرق وقتا رغم إعلان الهيئة نيتها حل نفسها خلال المؤتمر الوطني المرتقب.
مع كل هذه التحديات، يبدو أن مسألة رفع العقوبات عن سوريا ستستغرق وقتا طويلا، ربما عاما أو أكثر، حتى تتحقق على أرض الواقع.