يبدو أن توقعات الكثيرين خابت اليوم وكذلك أمانيهم وهم يرون الوفد الروسي رفيع المستوى في زيارة رسمية لدمشق، بعد أن جهدوا في الترويج لهروب روسيا من سوريا وإجبارها على الانسحابً، ويبدو أنهم لا يعلمون أيضاً أن قبل ويعد وخلال سقوط النظام ، لم ينقطع التواصل بين روسيا والإدارة السورية الجديدة عبر قنوات عسكرية ودبلوماسية مغلقة، وغاب عنهم أيضاً أن السفارة الروسية لم تغلق للحظة واحدة أبوابها في دمشق، ولم تدعو رعاياها للمغادرة ، عكس ما فعلته العديد من الدول… لكن الحقيقة الوحيدة أن روسيا بإرادتها ابتعدت عن المشهد السوري بعد تاريخ 8 كانون الأول وهذا ما كان صادماً ودفع جميع الأطراف لتصديق أن روسيا لم يعد ولن يعد لها موطئ قدم في سوريا، ابتعدت لتراقب المشهد عن بعد وبهدوء، وتدرس مصالحها من جهة، وتتابع نهج الإدارة السورية الجديدة ومراحل غرقها في إغراءات الحلف الغربي، لترمي لإدارة الشرع بأوراق لعب جديدة.
أكثر من 3 ساعات استمر الاجتماع بين الوفد الروسي برئاسة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف والإدارة السورية الجديدة المتمثلة بأحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، وبالطبع كان هنالك الكثير من القضايا على الطاولة لمناقشتها والبت بأمرها، فالزيارة لم تأت في سياق المباركة للإدارة الجديدة على قدر ما أتت لرسم ترتيبات ومستقبل العلاقات بين الدولتين في هذه المرحلة الحساسة.
العنوان الأبرز لهذه الزيارة الأولى والمعلنة وغير المتوقعة هو تعزيز العلاقات التاريخية بين روسيا الاتحادية وسوريا الجديدة وفق قاعدة المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة وهذا ما صرح به بوغدانوف ليدحض جميع الشائعات المتداولة.
الطريق أمام روسيا بعد هذه الزيارة الاستكشافية يبدو أنه سالكاُ، ومعروف عن موسكو عموماً وعن شخصية بوغدانوف على وجه الخصوص البراغماتية، وفي إطار سعي موسكو لتحقيق أهداف مفيدة واضحة وتنفيذ إجراءات ملموسة في سوريا، كانت نتائج اللقاء إيجابية على عكس توقعات وتطلعات الكثيرين حيث شدد الجانبان على أهمية الحفاظ على العلاقات الثنائية القوية وتعزيز التعاون المتبادل في مختلف القطاعات واحتمال مشاركة روسيا في التعافي الاقتصادي في سوريا بما في ذلك الاستثمارات في البنية التحتية والطاقة والتجارة، والأهم من كل ذلك أنه لم يطرأ تغيير على وضع المنشآت الروسية في طرطوس وحميميم وهذا ما يهم روسيا اليوم بالدرجة الأولى.
في القراءة المنطقية وكخطوة مبدئية نجحت الزيارة الأولى لسوريا بدون الرئيس بشار الأسد، تحديات وألغام سياسية لا يُخشى على موسكو منها في ظل إصرارها ويقينها بأنها لن تغادر الشرق الأوسط وستحافظ على مصالحها الكبرى فيه وهذا ما صرح به سابقاً وزير خارجيتها ، وكذلك في ظل التفاعل الإيجابي مع الحكومة الجديدة المؤقتة، وهي تعلم أن ارتدادات سقوط النظام السوري سيخلق خارطة جديدة من التحالفات والاصطفافات الإقليمية والدولية وهذا ينسحب على مكانتها القادمة وخطواتها للانتقال إلى سوريا الجديدة التي يسعى قادتها لتجنب ردة الفعل الروسية على أي قرار قد تقوم فيه مستقبلاً.