في حديث خاص لشبكة شام نيوز إنفو على إذاعة ميلودي إف إم، أكد المحلل السياسي الدكتور محمود عبد السلام أن تركيا تسعى إلى تشكيل حلف رباعي مع سوريا والعراق والأردن، بهدف ضم هذه الدول إلى اتفاقيات 2024 ضمن إطار اتفاق التنمية، إلا أن هذه المحاولات تصطدم بمعارضة عربية واضحة. واعتبر أن هذه الخطوة تعد حلما بالنسبة لأنقرة، لكنه من الصعب تحقيقه لأن الدول العربية لن تسمح بتمرير هذا المشروع الذي يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتنفيذه بكل ثقله. وأوضح أن الأمر لا يرتبط فقط بالطموحات التركية بل بالمصالح الاستراتيجية في المنطقة، حيث تحاول أنقرة الوصول إلى غاياتها عبر البوابة السورية، وأبرزها مشروع خط الغاز القطري التركي الأوروبي.
وأشار إلى أن الإدارة السورية الجديدة تبدو واعية لهذه التحديات، وهي تعمل على تحقيق التوازن بين المصالح التركية بالحد الأدنى، مع الحفاظ على المصالح العربية، مشددا على أن العمق الاستراتيجي لسوريا عربي وليس تركيا. واعتبر أنه لا يمكن لسوريا أن تضحي بعلاقاتها مع دول ذات ثقل كبير مثل السعودية والإمارات من أجل إرضاء تركيا وحدها، بل يجب أن تعمل بحكمة لتحقيق التوافق مع الدول العربية بشأن أي صفقات أو تفاهمات مع تركيا، دون التفريط بالمصالح العربية. وأكد أن نجاح هذا التوجه يعتمد على كفاءة القيادة الجديدة وعلى رأسها أحمد الشرع، مشيرا إلى أن كل ما صدر عن الحكومة السورية الجديدة حتى الآن يعكس إدراكا دقيقا للوضع السياسي. ولفت إلى أن لقاء أسعد الشيباني، وزير الخارجية السوري، مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير خلال مؤتمر دافوس، رغم طابعه الاقتصادي، كان دليلا على فهم عميق للوضع السوري وإمكانيات الدولة السورية، إذ تجنب الحديث في السياسة وركز على الملفات الاقتصادية.
وعن تضارب المصالح التركية مع إسرائيل في سوريا، شدد عبد السلام على أن العلاقة بين أنقرة وتل أبيب محسومة، وأنه رغم التصريحات التركية المتشددة ضد إسرائيل، لا سيما بعد المجازر في غزة، فإن العلاقات الاقتصادية بين الطرفين ظلت قوية. وأكد أن إمدادات تركيا إلى إسرائيل لم تتوقف يوما، وأن هناك مصلحة مشتركة بين الطرفين، لكن التنافس في سوريا يمثل نقطة خلاف. وأوضح أن إسرائيل، التي تمكنت من تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، لن تسمح بتمدد النفوذ التركي في البلاد، خصوصا أن إسرائيل تسعى إلى تعزيز احتلالها لمناطق استراتيجية مثل سلسلة جبال الحرمون ومناطق المياه في الجنوب السوري، ما يهدد المصالح التركية في المنطقة. وأكد أن إسرائيل والولايات المتحدة تدعمان ميليشيات قسد الانفصالية في شمال شرق سوريا، في حين تعتبر تركيا أن هذه الميليشيات تمثل تهديدا لها، إذ إن منح الأكراد السوريين أي نوع من الحكم الذاتي قد يشجع الأكراد في تركيا على المطالبة بالاستقلال.
أما عن الموقف الأمريكي، فأوضح عبد السلام أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تفرط بمصالح إسرائيل لصالح أي طرف آخر، سواء كان تركيا أو سوريا أو أي دولة عربية. وذكّر بما حدث عام 2019 عندما هدد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتدمير الاقتصاد التركي إذا لم يوقف أردوغان هجومه على الأكراد. واعتبر أن الحل الوحيد للانسحاب الأمريكي من سوريا هو ضمان مصالح واشنطن في المنطقة، بما في ذلك حماية الكيان الكردي الانفصالي في الدستور السوري الجديد ومنع أي تواصل إيراني عبر العراق إلى سوريا ولبنان. وأكد أن واشنطن، بدلا من تقليص وجودها في سوريا، زادت من حضورها العسكري، وهو ما يعكس استمرار استراتيجيتها في المنطقة.
وحول الغموض في الموقف الأمريكي تجاه الإدارة السورية الجديدة، اعتبر عبد السلام أن مشروع تقسيم سوريا لا يزال على الطاولة الأمريكية، ويتم البحث في آلية تنفيذه، سواء في هذه المرحلة أو في المستقبل. وأوضح أن هذا المشروع يتذرع بحماية الأقليات، سواء العلوية أو الدرزية أو الكردية أو المسيحية، لتبرير التدخل الأجنبي وتقسيم البلاد إلى كيانات منفصلة، مشيرا إلى أن فرنسا تسعى لإعادة نفوذها في سوريا عبر بوابة حماية المسيحيين، تماما كما تسعى الولايات المتحدة لدعم الأكراد وإسرائيل لتعزيز وجودها في الجنوب السوري. واعتبر أن كل هذه التحركات تصب في مخطط تقسيم سوريا الذي يتم الإعداد له بصمت، بينما السوريون هم آخر من يعلم، رغم أن الجميع يتحدث علنا عن تقسيم البلاد.
وحذر عبد السلام من أن روسيا تجد نفسها اليوم أمام واقع صعب، حيث تشعر بالخداع من الجانب التركي، تماما كما حدث معها في الملف الليبي عندما دعمت موسكو قرار الحظر الجوي ليتم إسقاط النظام الليبي لاحقا. واعتبر أن روسيا تعرضت للموقف ذاته في سوريا، حيث وافقت على اتفاقيات خفض التصعيد بهدف دفع النظام السابق إلى التفاوض، لكنها فوجئت بتطورات عسكرية غير متوقعة. وأوضح أن موسكو تدرك أن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى فقدانها نفوذها في سوريا بالكامل، ما دفع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للتحذير من خطورة ما يجري والمطالبة بمناقشة الوضع في إطار صيغة أستانا.
وأشار إلى أن إسرائيل تعمل على ترسيخ وجودها في سوريا عبر بناء قواعد عسكرية وليس مجرد قاعدة واحدة، وهو ما أكده وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس عندما أعلن أن إسرائيل لا تفكر بالخروج من سوريا. واعتبر أن إسرائيل، عندما تحتل أرضا، لا تخرج منها إلا بالقوة، في حين أن سوريا اليوم مكشوفة أمام المخابرات العالمية التي تنفذ عمليات اغتيال وتصفية بحق النخب العلمية والثقافية، كما حدث سابقا في العراق. وأكد أن هذا السيناريو يسير بوتيرة متسارعة، وأنه إذا لم يتم تدارك الوضع، فقد تجد سوريا نفسها أمام واقع مأساوي شبيه بما جرى في العراق بعد الاحتلال الأمريكي.
وحول الحلول الممكنة لمواجهة هذا المخطط والحفاظ على وحدة سوريا، شدد عبد السلام على أن البلاد في عين الإعصار، وأن مستقبل سوريا كدولة موحدة ومستقلة على المحك. وأكد أن هذا الأمر يتطلب وعيا شعبيا واسعا، بعيدا عن الخلافات والانقسامات التي لا طائل منها، مع ضرورة توحيد الجهود بين الدولة والشعب لمواجهة التحديات. وانتقد الانشغال بقضايا هامشية مثل صيدنايا، في حين يتم الاعتداء على الأراضي السورية وسحبها جزءا بعد آخر، معتبرا أن هذا السلوك لا يبني وطنا. وأكد أن بقاء سوريا مرهون بوحدة أبنائها، لأن التفرقة لن تؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار، وأنه لا بد من تغليب مصلحة الوطن على كل الاعتبارات الأخرى.
وختم عبد السلام حديثه بالتأكيد على أن تشخيص الأزمة هو الخطوة الأولى لفهم خطورتها وإيجاد الحلول المناسبة، معتبرا أن المسكنات لا تعالج المرض بل تخفي أعراضه فقط. وأكد أن المسؤولية اليوم تقع على عاتق كل السوريين في الحفاظ على وطنهم، لأن انهيار سوريا يعني ضياع الجميع، بينما التكاتف والعمل الجاد يمكن أن ينقذا البلاد من المصير الأسود الذي يتم التخطيط له.