اعتقد البعض أن عملية طوفان الأقصى ستكون نهاية العصر الذهبي لإسرائيل ، وإذ كانت جسر عبور لها إلى عصرها الألماسي ، لم تشهد اسرائيل مثل هذه المرحلة من “الانتصارات” منذ 70 عاماً ، فمجازرها تلقى تفاعلاً إيجابياً وإسناداً عالمياً “مألوفاً” و تصفيقاً حاراً من العالم كله، وأولهم العرب، الذين اشتروا وباعوا بدماء إخوتهم الفلسطينيين كرسي الحكم ، أما تباكيهم على شاشات إعلامهم المأجور العبري الناطق بالعربية مجرد ترهات سخيفة ، فهم يُغالون ويغالون وهم يغرزون خنجر الغدر أكثر في ظهر القضية لتصفيتها وإغلاق الملف لأجل غير مسمى، خنجر أصاب سوريا في ظهرها و خرج من صدر غزة ولا نعلم أين سيستقر!!! .
كلّ يقيس الربح و الخسارة والانتصار والهزيمة بميزانه ، لحرب لم تضع أوزارها بعد، فأصوات المدافع و الطائرات والرصاص ما زال يعلو من غزة إلى سورية ولبنان حتى اليمن ،
تمكنت اسرائيل من جعل قطاع غزة مكاناً منكوباً بكل ما تعنيه الكلمة، ارتكبت مجازر ومحارق خلفت أكثر من 150 ألف شهيد وجريح عدا المفقودين ، دمار هائل لم يوفر بشراً ولا حجراً، مدرسة ولا بيتاً أو حتى مشفى…وحسابات الربح “المأسوف عليه” تبدأ من هنا، عندما بدأت بشحذ سكاكينها لاغتيال أبرز قيادات المقاومة الفلسطينية من صالح العاروري وإسماعيل هنية ويحيى السنوار مروراً بضرب حزب الله اللبناني في مقتل وصولاً لصفقة إسقاط النظام في سوريا!!!
وفي التفاصيل، بدءاً من غزة ، حققت مكاسب توسعية جراء دخولها الحرب. تمكنت قوات الاحتلال الإسرائيلية من التوغل في المنطقة العازلة، التي زادت مساحتها في بعض المناطق إلى كيلومتر ونصف على امتداد الحدود الشرقية.
تمكنت إسرائيل من تدمير القطاع بشكل شبه كامل واستأنفت العملية منذ أيام قليلة لإجبار أهل القطاع على ترك ارضهم… أفقدت اسرائيل حركة حماس قدرتها على حكم القطاع الفلسطيني، نظرًا لوجود قرار دولي يقضي بعدم استمرار وجود الحركة في اليوم التالي للحرب.
وبخصوص الضفة الغربية، فصفقة القرن الذي وقعها ترامب منذ خمس سنوات ، تسير على قدم وساق وهناك مساعٍ لضم مناطق من الضفة الغربية، وهذا جزء من مخطط اليمين الإسرائيلي مع تولي ترامب الحكم، المعروف بتأييده للتوسع الاستيطاني. وهناك مزيد من التصعيد ينتظر الضفة مستقبلاً .
أما بالنسبة لحزب الله، فكان العيد الأعظم بالنسبة لإسرائيل اغتيال الأمين العام السيد حسن نصر الله الذي يطلق عليه المسؤولون الصهاينة اسم “محور المحور” ، ضربت أهدافاً له في لبنان، و حيدت حوالي 4000 مقاوم منهم في حادثة البيجر ، استطاعت شل حركة حزب الله وتفكيك تسليحه وإزالة مقاتليه وأسلحته من الحدود، وإجباره على الانسحاب إلى ما وراء نهر الليطاني على بعد نحو 30 كيلومترًا إلى الشمال. وما زالت تسعى لنزع سلاحه في المستقبل. بعد أن أضعفته باستهداف معظم قياداته الرئيسيين مثل السيد نصر الله وقبله القيادي فؤاد شكر المسؤول العسكري المركزي الأول للحزب منذ تأسيسه في الثمانينات وغيرهم من القادة. وأحد أهم مكاسب الاحتلال تحييد الحزب عن السياسة الداخلية للبنان.
وبعد كل ما حققته بتواطئ جميع الدول ودعمهم عسكرياً وسياسياً و اقتصادياً، استطاعت تل أبيب إسقاط النظامِ السوري السابق في الثامن من كانون الأول آخر الأنظمة العربية المعادية للمشروع الصهيوني ، بعد أن تكالب الأجير التُركي ومخابراته مع متواطئين من الدولة السورية … بعد ساعة واحدة من سقوط النظام توغلت اسرائيل في الجنوب السوري، وقامت بنشر قواتها في هضبة الجولان المحتلة ودرعا وبدأت بجذب السويداء بخباثة وقامت باحتلال جبل الشيخ ذو الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية الكبيرة، ما مكنها من مراقبة دول أخرى مثل لبنان والأردن. فضلًا عن وجود مناقشات داخل تل أبيب تقترح تقسيم سوريا إلى “كانتونات”، زاعمة أنها بهدف حماية الأقليات.
حلم اسرائيل بالقضاء على جميع أعدائها سابقة لم تتوقع أنها ستتحقق بهذه السرعة القياسية، لكن مخطئ من يظن أن هذه المزاعم الرامية إلى توسيع حدود “الدولة الصهيونية” على حساب الأراضي العربية المجاورة وليدة الأحداث الجارية، في الحقيقة قديمة قِدَم المشروع الصهيوني ذاته، وقد أقرتها وثائق هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال منذ فترة مبكرة من عمر الكيان الصهيوني، مشيرة إلى أن “حرب 1948 لم تنتهِ، وأنَّها لم تكن سوى جولة واحدة من سلسلة جولاتٍ من الحروب التي على إسرائيل الاستعداد لها بغية استكمال تحرير البلاد من أهلها الأصليين وتوسيع حدودها في جميع الاتجاهات لتبتلع لبنان وسوريا معاً… مؤسف أن نعد هزائمنا أمام الكيان ونصفق له حين يتقدم في اراضينا و يسحق قدراتنا العسكرية و يحيد القادة والرموز التي كانت تحاربه … مؤسف أن ننتظر الصدفة لننتصر دون مخطط مثلما يخططون هم!!