التوقعات من الحكومة مرتفعة، وأنا أقدّر كل التحديات التي واجهوها لأنهم ورثوا بلداً مدمراً بعد 54 عاماً من حكم الأسد. لذا، يجب أن يُفهم كل ما أقوله في سياق هذا الإرث الصعب جداً. ومع ذلك، يجب أن أكون صريحاً للغاية.
أنا أشعر بخيبة أمل من بعض القرارات التي اتخذتها الحكومة، وكنت آمل أننا بحلول الآن سنكون في وضع أفضل بكثير. لقد مضت خمسة أشهر تقريباً، وأعتقد أن الكثير مما حدث لم يرقَ إلى مستوى توقعاتي، ولا توقعات العديد من السوريين. كما تعلم، ذهبت إلى سوريا مرتين، والتقيت بالقيادة لساعات طويلة، وكنت إيجابياً جداً واحتفلت بنهاية النظام.
لقد كنت في صفوف المعارضة لنظام الأسد على مدى الـ15-20 عاماً الماضية. سوريا الآن في مفترق طرق، والعديد من القرارات التي تتخذها الإدارة الحالية سيكون لها أثر طويل على مسار مستقبل البلاد. ولهذا السبب، إذا انتقدت وعلّقت، فذلك لأنني قلق من أننا قد نسلك طريقاً خاطئاً يقود إلى كوارث للبلد ككل وللشعب السوري.
🛑 تقول إنك تشعر بخيبة أمل من بعض القرارات. هل يمكنك أن تخبرني ما هي هذه القرارات؟
- نعم، أشعر بخيبة أمل أولاً من تولي الإدارة السلطة الكاملة لاتخاذ قرارات جذرية جداً للبلاد. عندما تكون هناك شرعية ثورية ناتجة عن فصيل عسكري استولى على الحكم خلال فترة انتقالية قصيرة، يجب أن تكون سلطة هذه الإدارة محددة بوضوح ومحدودة، تتمثل في تأمين البلاد وتوفير الإغاثة الفورية للناس، والاستعداد لانتخابات حرة ونزيهة. لكن الإدارة اتخذت قرارات، فقد فككت الجيش بالكامل.
أفهم أنه من الضروري تفكيك بعض الفرق العسكرية وربما بعض الضباط المتورطين في سفك الدماء. لكنهم فككوا قوات الشرطة، وأقالوا آلاف الموظفين المدنيين، وأقالوا الكثير من الموظفين بسبب طائفتهم أو خلفيتهم العرقية. شكلوا جيشاً جديداً، كل قياداته من لون واحد، لا يمثل باقي الفصائل العسكرية الأخرى.
أعني بذلك الأكراد والدروز وغيرهم. لا يوجد ضباط كبار في الجيش يمثلون المكونات الأخرى. معظمهم حلفاء لهيئة تحرير الشام (HTS).
أعلم أن هيئة تحرير الشام قالت إنها تريد من الآخرين الانضمام إليها، لكنها تنتظر مثلاً من الفصائل الدرزية أن تسلم أسلحتها وتنضم إلى الجيش “الوطني”. لكن في الوقت نفسه، الإدارة الحالية غير قادرة على نزع سلاح الفصائل المتحالفة معها، مثل ما يحدث في الساحل وفي مناطق الدروز في الجنوب. هؤلاء لم يسلموا أسلحتهم، ومع ذلك هم حلفاء للهيئة.
فكيف نتوقع من الدروز أو الأكراد أو غيرهم أن يسلموا أسلحتهم بينما الفصائل الإسلامية المتحالفة مع الإدارة لم تفعل ذلك؟ الإدارة الجديدة غير قادرة على السيطرة عليهم، فكيف ستسيطر على الآخرين؟ والأهم من ذلك، إذا كنت تريد إشراك الدروز والأكراد وغيرهم، يجب أن يكون هناك مجلس عسكري تتوزع فيه السلطة.
لا يمكن أن تكون القيادة العسكرية حالياً كلها بيد هيئة تحرير الشام وبعض المقاتلين الأجانب، ثم تطلب من الآخرين الانضمام دون سلطة أو نفوذ. وهذا الأمر يتكرر مع تشكيل الحكومة. فقد شكلوا ما يسمى بـ”الهيئة السياسية”، وهي الحزب الجديد، وفي كل وزارة حكومية هناك شخص يمثل هذه الهيئة، ولا أحد يعرف من يملك السلطة، الوزير أم ممثل الهيئة.
بلا شك، هناك شعور بين السوريين بأن ما يحدث الآن في دمشق هو توسع نفوذ هيئة تحرير الشام وفرض سيطرتها على الفصائل الأخرى، وهذا أمر لا تقبله العديد من المكونات السورية الأخرى. يجب أن تكون هناك شراكة في السلطة، يجب أن يكون هناك قبول لتشكيل حكومة شاملة، يجب أن يكون هناك جيش قيادته تمثل كل الفصائل المختلفة في سوريا. هذا هو السبيل الوحيد لبناء سوريا موحدة، سوريا شاملة تمثل فسيفساء الأعراق والأديان والخلفيات المختلفة. ولا يمكنك مثلاً تهميش الطائفة العلوية بأكملها بسبب النظام السابق. لا يمكنك طرد كل العلويين وعدم إشراكهم في العملية، فهم في النهاية مواطنون سوريون وهم مجتمع كبير في البلاد.
أشعر أن هذا التهميش يؤدي إلى مزيد من التشرذم، ويتيح لإسرائيل التدخل بحجة حماية مجتمع الدروز، بينما الدروز هم سوريون. هذا هو آخر ما نريده، أن تأتي قوة أجنبية لتوفير الحماية لمجتمع داخل البلاد، لكن السبب الجذري لذلك هو أن الإدارة ليست شاملة كما ينبغي لبناء سوريا التي نريدها جميعاً.
لقد التقيت بأحمد الشرع، والتقيت بشخصيات بارزة في الحكومة الجديدة. هناك قراءة لدى بعض السوريين بأن المشكلة ليست في الشرع ذاته، بل في أنه ليس قوياً بما فيه الكفاية، أو واثقاً بما يكفي لطرد المقاتلين الأجانب والمتشددين غير المصلحين، والذين ما زالوا مرتبطين بالقاعدة أو غيرها من الجماعات الجهادية.
🛑 ما رأيك في هذا التفسير؟
- بصراحة، لا أعرف. أعني، أنا أحب الشرع، أحب الرئيس المؤقت، انسجمنا جيداً، هو منصت، ذكي، ومتزن. لذلك لا أحكم عليه بناءً على ما قاله لي، بل على أفعال الإدارة في الأشهر الخمسة الماضية.
أعتقد أن أولويته هو ومن حوله هي تأمين موقعهم في الحكم.
وقد يشعرون أنه إذا استبعدوا بعض الأشخاص من حولهم، فإن ذلك قد يضعف قدرتهم على الاستمرار في السيطرة. الأمر ليس سهلاً طبعاً، لأنه يحاول الموازنة بين من قاتلوا معه لمدة 14 عاماً وكانوا جزءاً من مسيرتهم إلى دمشق، وبين مطالب باقي الشعب السوري بالمشاركة. هناك شعار بين مقاتليه يقول: “من حرر البلاد هو من سيحكم”.
لكن الحقيقة أنه هو نفسه قال إنه ليس وحده من حرر البلاد، بل كل المعارضة السورية، وكل من خرج في المظاهرات، والشتات في الخارج الذين ناضلوا وفرضوا العقوبات على الأسد. الجميع له دور. لكن تصرفات هذه الإدارة توحي وكأن لا أحد من الذين عانوا في الخمسين عاماً الماضية، أو حتى خلال الـ14 عاماً منذ الانتفاضة، له مكان في هذه العملية.
لا أزعم أن الأمر سهل، أعلم أن لديه تحديات، وأتمنى، وأظن أنه مستعد لتحقيق ما نصبو إليه، ويحاول الموازنة، لكن في نهاية المطاف، نحن الآن في وضع نشعر فيه أن العديد من المجتمعات مستبعدة، وهناك تشرذم فعلي، ورفض لتسليم السلاح من قبل القوى التي لا تنتمي لهيئة تحرير الشام، وهناك إعلان دستوري لا يرقى إلى تطلعات السوريين، ويمنح صلاحيات غير محدودة للرئيس دون أي ضوابط.
لا يوجد فصل واضح بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية.
لا يوجد حديث عن الديمقراطية إطلاقاً. الديمقراطية ليست جزءاً من الإعلان أو من البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني. لذلك يسأل الناس أنفسهم: هل نحن نتجه إلى نظام جديد من الديكتاتورية؟ الفترة الانتقالية التي قيل سابقاً إنها ستكون سنتين إلى ثلاث، أصبحت فجأة خمس سنوات. خمس سنوات أطول من ولاية رئيس في كثير من الدول.
كل هذه الأمور تثير قلقي الكبير، لأننا نسير في اتجاه لا يتسم بالشمولية أو الديمقراطية أو الشفافية، وهذه الأمور جميعها نحن في المعارضة ناضلنا طوال حياتنا لعدم وجودها.
لذا نعم، نحن نرحب بمرحلة جديدة، ونتخلص من الأسد، لكننا نريد سوريا شاملة، يكون فيها كل السوريين مواطنين متساوين، يشاركون جميعاً في العملية، ويكون لدينا نظام شفاف وديمقراطي. نكون منفتحين على العالم، وهذا ليس ما أراه اليوم بعد خمسة أشهر.
🛑 بالنظر إلى كل ما تقوله، أتساءل فقط، قد لا تكون هذه نيتك، وقد تحدثت عن أهمية الشمول والديمقراطية في الانتقال السياسي، لكن بالنسبة للقوى الخارجية التي تُبقي العقوبات على سوريا، وهي عقوبات تضرب اقتصاداً منهكاً أصلاً، من الصعب أن ترى هذه الدول سبباً لرفع العقوبات حالياً في ضوء كل ما قلته.
- هذا صحيح. هناك إجراءات يمكن اتخاذها. أعتقد أن المجتمع الدولي قد تعهد ببعض الإغاثة في مؤتمر بروكسل الأخير، لكنهم يريدون أن تصل الإغاثة من خلال المنظمات الدولية والمنظمات المحلية. لذلك هناك أموال تصل للإغاثة، لكنها لا تمر عبر الحكومة.
القلق الرئيسي لدى العديد من الدول الغربية، وخاصة الأمريكيين، بشأن رفع العقوبات، هو أنهم يخشون من أن يتم استخدام الأموال لتجنيد المزيد من المقاتلين السنة، وأن نشهد توسعاً جديداً لهيئة تحرير الشام في دمشق. لذلك يريدون إشرافاً وتأكيداً على أن الجيش جيش لحماية الدولة، لا فصيل عسكري.
🛑 هل تعتقد أن رفع العقوبات مبرر؟
- نعم، بعض المطالب مبررة تماماً، خاصة ما يتعلق بالمقاتلين الأجانب.
الدول الغربية، والولايات المتحدة خصوصاً، قلقة من وجود جيش لا يمكنها الوثوق به لمحاربة داعش. يجب أن يكون هناك جيش موثوق به. لذا، بعض الشروط مبررة.
لكن بعضها يُستخدم كورقة ضغط، وعلى الحكومة أن تفعل كل ما بوسعها لتلبية هذه الشروط من أجل رفع العقوبات. لا يكفي القول إن العقوبات كانت فقط على الأسد، والأسد قد رحل، ارفعوها وسنتصرف كما نريد. يجب أن يأخذوا هذه المطالب بجدية تامة لأن الأمر يتعلق برفاهية الشعب السوري، وهذا أهم من أي شيء آخر.
شخصياً، أعتقد أن رفع العقوبات بالكامل سيأخذ وقتاً. هناك عمل جارٍ لتمديد التراخيص العامة في الولايات المتحدة. وهناك عمل يُبذل لضمان وصول الإغاثة إلى الشعب السوري وتحسين معيشته.
لكن رفع العقوبات بشكل كامل لن يحدث دون تلبية بعض الشروط التي وضعتها الدول الغربية. وقد تم توضيح ذلك بوضوح في رسائل وجهت للإدارة.
🛑 أعلم أنك ستقول إنك لا تسعى للسلطة في سوريا الجديدة، لكن إن جاءت الحكومة إليك، إن جاءك أحمد الشرع وقال نريد مساعدتك، ونعتقد أنك ستكون مثلاً رئيس وزراء عظيماً ورمزاً لسوريا الجديدة، هل ستفكر في هذا العرض؟
- أنظر، أنا لا أبحث عن وظيفة.
🛑 أعرف أنك لا تبحث عن وظيفة. لكن إن طلبوا منك المساعدة؟ قلت من قبل إنني سعيد بمساعدة الإدارة في أي منصب.
- يمكنني أن أكون مستشاراً، أو ممثلاً، لكن يجب أن نتفق على الاتجاه. يجب أن أرى أنني والحكومة نتشارك في الأهداف حول ما نحاول تحقيقه وأين نأخذ البلاد.
بمجرد أن نتفق على أننا نريد بناء دولة شاملة، يكون فيها الجميع مواطنين متساوين، وفصل تام بين الدين والدولة، حيث لا يكون الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع، ولا يجب أن يكون الرئيس مسلماً، وعندما نتحدث عن دولة حديثة شاملة ديمقراطية، نعم بالطبع سأساعد بأي طريقة.
لا أحتاج أن أكون رئيس وزراء، يمكنني أن أكون مستشاراً أو مبعوثاً أو أي شيء آخر. لكن هدفي هو المساعدة في عملية تؤدي إلى وجهة أؤمن بها، وأعتقد أن غالبية السوريين، خاصة أولئك الذين فقدوا أرواحهم، أرادوا تحقيقها. لا أسعى لمنصب، ولا أريد المشاركة في عملية ستقودنا إلى مكان لا أؤمن به.
وبناءً على ما يحدث الآن، والاتجاه الذي تسلكه الحكومة، بصراحة لا أرغب في تولي أي دور في هذه العملية. ومع ذلك، قلت إنني لا أتصرف كمعارضة نشطة، لا أفعل ذلك. كل ما أفعله هو التحدث بصوت عالٍ عن الأخطاء التي تحدث، وأتحدث إلى الإدارة بشكل مباشر وغير مباشر، آملاً أن يصححوا المسار لنتمكن من إنقاذ البلاد وبناء دولة سورية حديثة.
