بدأت صفقات البيع والشراء تظهر إلى العلن بكل وضوح بعد خمسة أشهر من سقوط النظام السوري، اليوم لا يوجد ستارة ، المشاهد واضحة ، الخطط بكل خطواتها باتت جلية، وتحت ذريعة رفع الحصار الخانق عن الشعب السوري ، تباع سوريا بثرواتها ومركزها الاستراتيجي ومبادئها… المطبلون كثر ، والغشاوة لا تتزحزح عن أعينهم على الإطلاق، يعتقدون أن ما يحدث وسيحدث من أجل الشعب السوري، وهو بالأصل لا يخرج عن إطار تثبيت حكم هذا وذاك من خلال استرضاء الطامعين.
من بناء برج ترامب في دمشق مروراً بمعاهدة سلام مع إسرائيل وبقائها في الجولان ومرتفعاته وصولاً إلى التعاون ضد إيران ومنح الولايات المتحدة حق الوصول إلى النفط والغاز السوريين على طبق من ذهب ، كل ذلك ورد ضمن خطة استراتيجية قدمت من الجانب السوري مقابل رفع العقوبات ، لكن أي عقوبات هذه ؟؟ هل يقصد بها العقوبات المفروضة على الشعب السوري الذي بات وضعه المعيشي والخدمي في الحضيض ، أم الهدف الرئيسي رفع العقوبات المتعلقة بإدراج حكام دمشق على قوائم الإرهاب والاعتراف بشرعيتهم دون حساب؟؟
الأثمان التي ستقدم ضمن هذه الخطة التي وصفها كثيرون بأنها خطة استراتيجية ذكية، كبيرة للغاية ، زيلينسكي نفسه لم يقبل بجميع الصفقات التي تدفع إلى الاستغناء عن أراض أوكرانية كما يعتقد ، فأي ثمن يدفعه الرئيس أحمد الشرع لتمرير هذه الصفقة ؟؟
المخططات والسياسات المرسومة للمنطقة عمرها عشرات السنين، لا يغير حالها إهداء طائرة أو بناء برج عاجي أو استثمارات بسيطة هنا وهناك، وما يرتب لسوريا حصراً يندرج ضمن إطار خلق شرق أوسط جديد يضمن أمن إسرائيل فقط وليس رفاهية الشعب السوري وإلا لم
تكن لهذه المحرقة التاريخية أن تستمر 14 عاماً ، ولم تنته حتى اللحظة.
باب الإغراءات في سوريا فُتح بالفعل على مصراعيه أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لا يخفي جشعه على الإطلاق مع دول الخليج -على سبيل المثال- التي تقدم له الطاعة مع كل زيارة مقابل إعفائها من أي مخططات كيدية أمريكية غربية تحاك للمنطقة، إلا أن كل التنازلات الجوهرية ومحاولة التفريط والتسليم بكل مُقدّرات سوريا (الاقتصادية والسياسية) كما فعلت صفقة حكام سورية الجدد لنيل
الرضا الأمريكي ، من المستبعد أن تدرس على طاولة ترامب وأن تفتح شهيته ببناء برج على اسمه في دمشق وهو التاجر الاقتصادي المُحب للصّفقات العميقة .
جاءت وثيقة التنازلات السورية وسط تهليل في الأوساط الإعلامية ، بالتزامن مع حديث ترامب عن زيارته لتركيا الخميس القادم ومناقشته الملف السوري مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وإمكانية رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا لأنها تعيق نهضتها، وزيارته المرتقبة إلى دول الخليج والحديث عن إمكانية لقائه الرئيس الشرع في السعودية الذي يسعى لمُشاركة رؤيته لإعادة الإعمار على غرار خطة مارشال، ويضمن من خلالها تفوّق الشركات الغربية والأمريكية على نظرائها في الصين بحسب صحيفة وول ستريت جورنال ، كل ذلك أرادت الإدارة السورية الجديدة
استثماره والترويج شعبياً وداخلياً لفكرة أن أي قرار قد يتخذه ترامب في المستقبل تجاه الملف السوري يعتبر انتصاراً سورياً سياسياً مرتبطاً بدهاء وثيقة التضحية التي قدمها الشرع له ، فهل الأمر هو انتصار سياسي حقاً؟؟
المؤشرات العملية في سوريا تبقى سيدة المشهد، فلماذا تحتاج أمريكا وإسرائيل مثلاً إلى صفقات وهي تستطيع تنفيذ مشروعها في سوريا بسلاسة؟ وماذا يمكن أن تقدم صفقة العصر لأمريكا أكثر من إسقاط الرئيس السابق بشار
الأسد حليف إيران الذي يسعى ترامب نفسه حالياً للتفاوض معها حول برنامجها النووي؟
الحل السحري لسوريا موجود خلف جدران الغرف السياسية المغلقة وليس على وسائل الإعلام التي تمتهن التطبيل ، ربما تلعب دول الخليج مثل السعودية وقطر والإمارات دوراً في ترتيب لقاء يجمع بين الشرع وترامب على هامش زيارته ، خاصة أن الرئيس الانتقالي أجرى مباحثات هاتفية مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قبيل زيارة ترامب المُرتقبة إلى المنطقة، إلا أن الأخير يبقى محاصراً بالمحظورات التقليدية للسياسة الخارجية الأميركية، فهل سيغامر و يكسرها أمام الرئيس الانتقالي أحمد الشرع الذي مازال اسمه حاضراً في لائحة الإرهاب الأمريكية على الأقل؟، أما بالنسبة للعقوبات وغيرها من الخطوات التي تعزز انفتاح سوريا الجديدة دبلوماسياً واقتصادياً وسياسياً مع محيطها يبقى مرهوناً بيد الدول اللاعبة
في الملف السوري وقدرتها على إقناع ترامب في السير قدماً نحو رفع العقوبات أو تخفيفها بغض النظر عما تنتظره الإدارة الأمريكية من تقدّم إيجابي في تصرفات السلطات الجديدة في سوريا.
