ها هي اللحظة التاريخية التي انتظرها جميع السوريين ، رفع العقوبات عن بلادهم ، السلاح الأخطر الذي كان مسلطاً على رقبة الشعب السوري ، قد أزيل اليوم بالفعل !!
ترامب قالها من الرياض: ” قررت رفع العقوبات عن سوريا بعد مناقشات مع ولي العهد السعودي” ، فماذا يختبئ خلف
الكواليس ؟؟ هل سيكون الإعلان التاريخي مجرد وهم ؟؟ ومن الذي دفع فاتورة هذه الفرصة ؟ وهل سيكون رفع العقوبات مشروطاً أو لفترة تجريبية معينة ؟؟
العقوبات التي كانت مفروضة على سوريا هي أوسع وأقسى من العقوبات التي يفرضها مجلس الأمن على دولة ما تحت الفصل السابع والتي تعد أعتى العقوبات الدولية، السوريون كانوا يعيشون خارج الجغرافيا وخارج التاريخ وخارج المجتمع الدولي خلال العقد الماضي.
خلال الأشهر الأخيرة كانت هناك محاولات كثيفة عربية وتركية وغربية لإقناع ترامب للسير قدماً نحو رفع العقوبات عن سوريا وإعطاء
فرصة للسوريين للنهوض ببلادهم ، ملف ينفصل تماماً عن تاريخ وماضي السلطات الجديدة ومصيرها،وبعيداً حتى عن صفقة الرئيس أحمد الشرع التي قدمها لإدارة الرئيس دونالد ترامب عن إمكانية الوصول للنفط والغاز السوريين، فالشكوك حول السلطات الجديدة ونواياها الحقيقية وقدرتها على تنفيذ الوعود والشروط التي فرضتها أمريكا مازالت حاضرة، وإدارة ترامب والمسؤولون المقربون منه ، جزء كبير منهم لا يرحب بهذه الخطوات تجاه سوريا
الدوال العربية وتركيا وضعت على عاتقها مسؤولية كبيرة في هذه الوساطة ، والمشهد لا يخرج من سياق البازار السياسي بين
ترامب وهذه الدول لتحقيق مكتسبات معينة، أمريكا لا تفهم إلا لغة المصالح لا تقدم شيئاً دون مقابل واتفاقات مبرمة مسبقاً، فترامب
وفي تصريحه الشهير عندما هنأ إردوغان بأنه أخذ سوريا كانت بمثابة رسالة للتركي أن الملف السوري في عهدته ويتحمل مسؤولية ما
يحصل، واليوم كرر ترامب هذا المشهد بإعلان رفع العقوبات واللقاء بينه وبين الرئيس أحمد الشرع بوساطة سعودية وتركية مؤكداً أن ما جرى هو فرصة تاريخية نتيجة تفاهمات بين ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان و الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ، أي أيضاً حملهم مسؤولية هذه الوساطة وكفالة السلطات الجديدة .
اليوم ، وأمام قرار رفع العقوبات عن سوريا ،
السلطات السورية ينبغي عليها أن تسابق الزمن وتتحرك لتنفيذ الشروط الأمريكية دون تلكؤ وإلا سيتم استبعادها من المشهد كما تم استبعاد النظام السابق عندما تأخر وتجاهل المطالب الأمريكية والغربية والوساطات العربية ، الشرع وإدارته اليوم أمام تعهدات كبيرة للدول الوسيطة ، وكذلك الأخيرة ستكون في موقف حرج بحال تأخرت السلطات الجديدة بتنفيذ وعودها واللعب على عامل الوقت.
سوريا لا تعتبر دولة مارقة ، هي ركيزة أساسية في المنطقة والجميع متفق على استقرارها وتعزيز الأمن فيها سينعكس إيجاباً على كل المنطقة ولا يجب أن تترك لمواجهة مصيرها وسط تطرف ديني أو حكم متشدد ، بغض النظر عن الأثمان التي دفعت و ستدفع هي باهظة وتمس سيادة سوريا وثرواتها ونهجها تجاه قضاياها التي آمنت بها على مر العقود الماضية ، لكن المخطط الذي ينفذ للمنطقة اليوم لا مكان فيه أيضاً لتيار الإسلام السياسي وخصوصاً المتطرف والمتشدد، الدول التي تدعم سوريا اليوم تشترط الاستغناء عن هذا اللون والنهج، وبالتالي الاعتقاد بأن اللعب على الوقت قد ينفع سيكون اعتقاداً خاطئاً فمن الضروري اليوم أن تنسجم سوريا بهذا المخطط وأن تستوفي الشروط المفروضة عليها ليتم استكمال مراحل التعافي وعدم عرقلتها من جديد،فالذي فرض عقوبات بالأمس دون وجه حق، وعاد عن قراره ورفعت له القبعة اليوم مع أنه انتهك حق المواطن السوري بالعيش بكرامة ليس صعباً عليه أن يعود بشكل جديد من العقوبات أقسى من سابقتها إذا لم ير قطار مصالحه يسير على السكة التي فرضها.
الكرة اليوم وضعت في ملعب الإدارة السورية،
قد يبدو الأمر أنه فسحة أمل و متنفس للسوريين ، لكن فاتورته باهظة ، فسوريا اليوم تحت وصاية ورقابة وتجربة مؤقتة، رفع العقوبات سيفتح الباب على مصراعيه أمام الدول
لمساعدتها ، لكن ستبقى النهضة الحقيقية مرتبطة بتحدي تحقيق الاستقرار والأمان في الداخل السوري وإخماد بؤر التوتر وتخقيق سلام مع اسرائيل والسعي لإشراك جميع مكونات الشعب السوري في بناء دولة جديدة و الإعلان عن دستور سوري يضمن العدالة والمساواة والحريات الدينية والفردية وبناء مؤسسات دولة حقيقية ، وإلا ستذهب الجهود كلها مهب الرياح كمن يبني فوق فوهة بركان قد يثور بأي لحظة .