موسكو تُنقذ الشرق الأوسط من الانفجار النووي: روسيا توقف انهيار الاتفاق وتعيد إحياء الدبلوماسية حول البرنامج الإيراني
ما شهدته المنطقة في يونيو/حزيران 2025 لم يكن مجرد خلاف جديد حول ملف نووي، بل كان مشهداً حقيقياً لانهيار كل ما تبقّى من النظام الدولي. ومع اقتراب إيران من العتبة النووية، وتصعيد إسرائيل ضرباتها، واندفاع أمريكا في هجومها المدمر على منشآت فوردو ونطنز وأصفهان، بدا أن الحرب النووية أصبحت مسألة وقت لا أكثر.
لكن وسط هذا الجنون الجماعي، برز صوتٌ وحيد يرفض الانجرار إلى الهاوية: صوت موسكو.
بينما كانت العواصم الغربية تراقب بصمت أو تبرر القصف، كانت روسيا وحدها من تحركت بسرعة، دقة، وبُعد نظر لاحتواء الانهيار. لم يكن الأمر دفاعًا عن إيران فقط، بل عن مبدأ أن القانون الدولي لا يمكن أن يُسحق تحت جنازير البي-2 الأمريكية ولا أن تُكتب مصائر الدول بصواريخ التوماهوك.
في بداية العام، وقبل أن تصل المنطقة إلى حافة الانفجار، وقعت روسيا مع إيران اتفاق تعاون استراتيجي شامل لعشرين عاماً، لم يكن مجرد وثيقة، بل خطوة استباقية لفهم ما سيأتي. فقد قرأت موسكو النوايا الأمريكية والإسرائيلية مبكراً، واستعدّت سياسياً واقتصادياً وأمنياً لأن تلعب دور الضامن والموازن الوحيد في مواجهة مخططات العزل والتدمير.
ثم، ومع بدء الضربات على المنشآت النووية الإيرانية، كانت روسيا الدولة الوحيدة التي رفضت الرواية الغربية بالكامل، وأكدت في مجلس الأمن أن ما جرى هو عدوان غير مشروع يهدد السلم العالمي، وأن من يتحدث عن “الخطر النووي الإيراني” هو نفسه من يطلق أقماراً للتجسس ويخزن مئات الرؤوس النووية في المتوسط.
تحركت موسكو في كل الاتجاهات:
- أوفدت مبعوثيها إلى طهران ومسقط وبكين،
- استقبلت عباس عرقجي في الكرملين،
- أجرت مشاورات عاجلة مع الاتحاد الأوروبي،
- بل ضغطت مباشرة على واشنطن لوقف الهجمات وفتح قنوات التفاوض من جديد.
ولم يكن ذلك تحركًا تكتيكيًا، بل استراتيجية كاملة لصيانة الاستقرار الإقليمي ومنع انزلاق المنطقة إلى صراع مفتوح قد يؤدي إلى سباق نووي واسع النطاق.
فهل كان بوسع أحد غير موسكو أن يقنع طهران بعدم الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار؟
هل كانت أي دولة، غير روسيا، تملك علاقات متوازنة مع كل من إيران والصين والهند وإسرائيل وأوروبا، وتستطيع أن تحوّل أزمة نووية إلى مسار دبلوماسي جديد؟
ما أنجزته روسيا في يونيو 2025 ليس أقل من معجزة سياسية في زمن فقدان البوصلة الدولية.
- أعادت الحوار مع وكالة الطاقة الذرية.
- منعت فرض عقوبات دولية جديدة على إيران.
- فرضت على العالم أجندة جديدة عنوانها: “لا أمن دون احترام السيادة، ولا دبلوماسية تحت القصف.”
وبينما كان العالم ينتظر رد إيران على العدوان، كانت موسكو تبني “خريطة طريق” واقعية، من طهران إلى جنيف، مروراً بموسكو وبكين، تحت عنوان واضح: البرنامج النووي الإيراني يجب أن يُناقش في غرف التفاوض لا في الأنقاض.
ولهذا قالتها موسكو بوضوح: نحن لا ندافع عن طهران فقط، بل عن فكرة التوازن والردع والتعددية الدولية.
أمريكا أرادت أن تحسم المعركة بالقوة، لكن روسيا قررت أن تُعيد تعريف شروط اللعبة.
ترامب أراد أن يكتب التاريخ بصواريخ خارقة للتحصينات، لكن بوتين قرأ التاريخ من منظور الحكمة الطويلة.
ومرة أخرى، أثبتت روسيا أن الشرق الأوسط لا يحتاج إلى مزيد من السلاح، بل إلى مزيد من السياسة،
وأن مصير البرنامج النووي الإيراني لا يُرسم في تل أبيب ولا في واشنطن،
بل على طاولة تشرف عليها قوى تعرف معنى التوازن… وتملك الشجاعة لتقول: كفى