حرائق قوية في الساحل السوري، وامتدت لتشمل المناطق الجبلية في اللاذقية وطرطوس، حيث توجد آخر الغابات الكبيرة في البلاد. ووفقاً لبيانات الأقمار الصناعية، تم تدمير أكثر من 10,000 هكتار. وقد أعلنت جماعة “سرايا أنصار السنة” مسؤوليتها، مشيرة إلى أن الحرائق جزء من حملة “تطهير ديني” لقرى العلويين.
في جبال العلويين، على ارتفاعات تتراوح بين 500 و1500 متر، تنمو أشجار البلوط والعرعر وصنوبر حلب والشوح القديم وأشجار الغار. الغابة تحتفظ بالمياه، وتحمي التربة، وتغذي الينابيع. وعلى هذه المدرجات عاش الفلاحون لآلاف السنين، مشكلين نمط حياة مستقر، مخالف للنمط الصحراوي. تدمير الغابة يجعل الجبال غير صالحة للحياة؛ ستختفي الينابيع، وتنهار المدرجات، وتزول القرى.
هكذا، دمّر العرب القادمون من الصحراء أكثر من منطقة مزدهرة. ففي القرن الحادي عشر، ولأسباب سياسية، نقل الفاطميون قبائل البدو بني هلال وبني سُليم من الجزيرة العربية إلى شمال أفريقيا (المغرب). وخلال عقود قليلة، دمّر البدو أنظمة الري، وداسوا الحقول، وأحرقوا الغابات، وأبعدوا السكان المستقرين. وتحول المغرب، الذي كان امتداداً للحضارة الرومانية، إلى منطقة بدوية.
كتب ابن خلدون: “منذ أن استولى البدو على البلاد، اختفت الحدائق والقنوات والمنازل، ولم يبقَ سوى الفراغ”. وأضاف الجغرافي البكري: “حيثما يمرون، لا تبقى حياة. لا ماء، ولا خضرة، ولا نظام”.
لم تتعافَ شمال أفريقيا من دمار القرنين الحادي عشر والثاني عشر. قبل الغزو، كان الإقليم يضم حقولاً خصبة وزراعة مدرجات وغابات ومدناً. بعد الدمار، بدأ التصحر، وتوقفت الحياة المستقرة، ولم تعد كثير من الأراضي إلى الاستغلال حتى القرن العشرين.
حدثت “بدونة” للمجتمع: اختفت المجتمعات الريفية، وطُردت ثقافة الزراعة. فقدان نمط الحياة المستقر أدى إلى تدهور ثقافي وانقطاع الصلة بالعصور القديمة. كما تعرّب البربر بسرعة.
حاول المستعمرون الفرنسيون والإيطاليون إعادة بناء الاقتصاد، لكن بعد الاستقلال عادت المشاريع للانهيار. ليبيا وتونس والجزائر اليوم لم تعد مرتبطة كثيراً بأفريقيا القديمة.
حرائق العمد في مناطق العلويين ليست مجرد إرهاب بيئي. فالساحل السوري، مثل أفريقيا سابقاً، يمثل بقايا حضارة زراعية متوسطية. بتدمير الغابات، يحرق الجهاديون النمط القائم على الأرض والماء، ويهيئون لاستبدال السكان. ويهدفون إلى القضاء التام على الأقليات في سوري