الموت أو النصر… هكذا كان لسان حال روسيا عندما حاربت نابليون، وهكذا كان لسان حالها عندما حاربت هتلر في الحرب العالمية الثانية، وهذا هو حالها اليوم وهي تخوض حرباً شاملة مع نظام كييف المدعوم من الغرب. فالتاريخ خير شاهد على شجاعة الروس، والمعارك التي يخوضها الجيش الروسي ضد القوات الأوكرانية المدعومة من الناتو منذ ثلاث سنوات ونصف هي معارك تثبت قدرة روسيا على انتزاع النصر الكامل.
ومع أن الغرب لا يزال يمارس سياسة الخداع ويفرض العقوبات ضد روسيا ويرسل المرتزقة والأسلحة لنظام كييف، ويدعو لنشر قوات أوروبية في أوكرانيا، ويشن حملات دعائية لشيطنة القيادة الروسية، إلا أن ذلك كله لم يجلب السلام للقارة العجوز، بل يزيد من سفك الدماء تحت عنوان منع روسيا من تحقيق النصر.
وعندما نتحدث عن الغرب فيما يتعلق بمقاربة الوضع في أوكرانيا، فلا بد من التفريق بين موقف ترامب وإدارته الجمهورية، وبين فرنسا وبريطانيا وألمانيا التي تعمل منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض لإقحام الولايات المتحدة في الحرب مع روسيا، وتدعو إلى نشر قوات أوروبية على الأراضي الأوكرانية، وهو ما ترفضه موسكو جملة وتفصيلاً.
ورغم الصداقة التي تجمع ترامب وبوتين والتي طالما تغنى بها ترامب وهو يطلق الوعود حول قدرته على إيقاف الحرب خلال أربع وعشرين ساعة، إلا أنه خلال الفترة الأخيرة بعد التوقيع على اتفاقية المعادن الثمينة مع زيلينسكي، بدأ يمارس الخداع والمناورات ويهدد بالانسحاب من الوساطة بين موسكو وكييف لوقف الحرب، ليعلن فجأة في خضم التحريض الغربي ضد روسيا تزويد أوكرانيا بصواريخ باتريوت بعيدة المدى، وليذهب كلامه خلال الأشهر والسنوات السابقة أدراج الرياح، وليظهر على حقيقته. فلا رباط على كلامه، كلام الليل عند ترامب يمحوه النهار. ويبدو أن ما حصل عليه ترامب من أموال خلال زيارته الرياض بما يعادل أكثر من 5 تريليونات دولار قلب أولوياته وغير حساباته. فلم تعد أوكرانيا أولوية، بل أصبح تحقيق حلم الشرق الأوسط الجديد الذي طرحته كونداليزا رايس في العام 2006 حلماً يراوده كأسلافه، لأنه السبيل للحفاظ على السطوة والهيمنة الأمريكية، مع الإشارة إلى أن ترامب يرتدي قبعة وسياسة تليها سعار حملته الانتخابية “أمريكا أولاً”.
ويبدو أن ترامب والناتو تناسوا أن روسيا لا تسعى لصفقة فيها ربح وخسارة كما يفعل ترامب، وإنما تصنع مجدها بتضحيات جيشها وشعبها. وهي تريد تحقيق النصر وكتابة التاريخ. فالجيش الروسي يبذل الدماء في أرض المعركة ليحقق أهداف روسيا وطموحات شعبها، وليس ليجني المال كما يفعل ترامب. والفارق كبير وجوهري بين أهداف بوتين من الحرب في أوكرانيا وأهداف ترامب. فالحرب عند بوتين دفاع عن السيادة والكرامة الوطنية، وهي بسالة وشجاعة، وليس ابتزازاً وتجارة هيمنة.
وفي رده على قرار تزويد نظام كييف بصواريخ باتريوت، أظهر الرئيس بوتين من الغضب اتجاه الغرب ما لم يظهره طوال سنوات الحرب مع أوكرانيا، وأكد أن الغرب يخدع بلاده، وذلك بعد أن نكث الرئيس ترامب بوعوده وأعلن عزمه تزويد أوكرانيا بصواريخ باتريوت على أن تدفع أوروبا ثمنها للولايات المتحدة.
وتشكل الخطوة الأمريكية الجديدة في توقيتها وظروفها بمثابة إعلان حرب أوروبية على روسيا، وربما تتسبب بنشوب حرب عالمية ثالثة، خاصة وأنها جاءت بعد تهديدات ترامب بالانسحاب من لعب دور الوسيط لوقف الحرب في أوكرانيا، وبعد المناشدات التي أطلقها زيلينسكي لوقف الانهيارات داخل جيشه، وبعد التطورات التاريخية التي شهدتها منطقة الشرق بعد الحرب بين إسرائيل وإيران، وكذلك في ضوء نتائج الحرب بين باكستان والهند. وبعد التطورات في سورية وانتصار الثورة السورية المدعومة أمريكياً، وانقلاب ترامب على حلفاء بلاده الأكراد وتحالفه مع حكومة دمشق، والدفع لإخراج القوات الروسية من سورية، وشرعنة الوجود العسكري الأمريكي هناك بعد قرار ترامب تطبيع العلاقات مع حكومة دمشق ورفع العقوبات عنها، ورفع اسم هيئة تحرير الشام الحاكمة من قائمة الإرهاب. فالدول الأوروبية وبخاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا التي تدعو لنشر قوات أطلسية في أوكرانيا وترفض وقف الحرب وتحشد كل قدراتها لمواصلة الحرب ضد روسيا، هذه الدول نجحت فيما يبدو في إعادة ترامب إلى السرب الأطلسي بعد أن راح يغرد خارج السرب الأطلسي لعدة أشهر، ليتبين أن كل ذلك هو نوع من الخداع والنكوص، الأمر الذي أغضب موسكو التي تعاونت إلى أبعد الحدود مع ترامب لعله ينجح في وضع حد لتعنت زيلينسكي. وهذا الغضب عبر عنه الرئيس بوتين الذي أكد أن روسيا لن تتراجع عن تحقيق كامل أهدافها، وأشار إلى أن بلاده مستعدة للمفاوضات وأنها تريد وقف إطلاق النار، ولكنها لن تقبل بأقل من تحقيق جميع أهدافها، خاصة وأن ترامب كان أعلن اعتراف بلاده بحتمية انتصار بوتين، مقراً بنجاح روسيا في استعادة المقاطعات الروسية الخمس بما فيها جزيرة القرم، وهو ما ترفضه أوكرانيا. وتساءل بوتين كما فعل في بداية الحرب: “ما ينفعني وجود العالم كله بدون روسيا؟” قالها بطريقة أخرى: “إما أن تكون روسيا ذات سيادة أو لن تكون موجودة على
