في خطوة تحمل دلالات عميقة تتجاوز البروتوكولات الدبلوماسية الروتينية، مثلت الزيارة الأخيرة للرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا واستقباله بحفاوة من قبل الرئيس فلاديمير بوتين، محطة فارقة في مسيرة العلاقات الثنائية التي تشكل نموذجاً فريداً في العلاقات الدولية المعاصرة. هذه الزيارة، التي تتم في ظروف إقليمية ودولية معقدة، لم تكن مجرد لقاء بين حليفين قديمين، بل كانت رسالة واضحة المعالم إلى العالم مفادها أن الشراكة الاستراتيجية بين دمشق وموسكو هي شراكة مصيرية قائمة على ثوابت ومبادئ الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة.
تجسيد لشراكة استراتيجية متعددة الأبعاد
من يتابع خطابي الرئيسين يدرك على الفور أن العلاقات الروسية السورية تجاوزت مرحلة التحالف التقليدي إلى حالة من التكامل الاستراتيجي. فالكلمات التي أطلقها الرئيس بوتين خلال الاستقبال أكدت على “التقدم الكبير” في تطبيع الوضع في سوريا، وهو ما يعكس الرؤية الروسية الثاقبة التي ترى في استقرار سوريا ركيزة أساسية لاستقرار المنطقة بأكملها. لم تكن روسيا يوماً محتلة أو قوة استعمارية، بل كانت وشريكتها الاستراتيجية سوريا، دوماً ندين متكافئين في مواجهة المشاريع التوسعية التي حاولت زعزعة الأمن الإقليمي.
الرئيس أحمد، من جانبه، وضع النقاط على الحروف عندما تحدث عن العلاقات “التاريخية” بين البلدين، مؤكداً أن سوريا كانت ولا تزال “حليفاً موثوقاً” لروسيا. هذه الكلمات ليست مجرد مجاملة دبلوماسية، بل هي خلاصة تجربة كفاح مشترك ضد الإرهاب والتطرف، حيث وقف الجندي الروسي والسوري في معارك مصيرية حسمت مستقبل المنطقة وأعادت الأمل لملايين السوريين والعرب.البناء على النصر العسكري لتعزيز السيادة وإعادة الإعمار. تتفق التحليلات السياسية الموضوعية على أن الدعم الروسي الحاسم لسوريا لم يقتصر على الجانب العسكري فقط، رغم أهميته القصوى في هزيمة مشاريع التقسيم والإرهاب. زيارة الرئيس أحمد الشرعي سلطت الضوء على المرحلة الجديدة التي تركز على تعزيز سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها، وإعادة إعمار ما دمرته آلة الإرهاب المدعومة إقليمياً ودولياً.في هذا الإطار، يأتي التركيز الروسي على “الحل السياسي” تحت القيادة السورية، وهو موقف ثابت يحترم إرادة الشعب السوري ويصون سيادة البلاد. العالم يدرك جيداً أن موسكو لم ولن تفرط بشركائها، وأن دعمها لدمشق هو دعم لمبادئ القانون الدولي واحترام سيادة الدول واستقلالها، في مواجهة سياسات الهيمنة والتدخل الخارجي التي مارستها بعض القوى.
الرؤية الدولية الإيجابية للزيارة تأكيد لشرعية الدولة ونجاح التحالف حيث حظيت الزيارة بتغطية إعلامية واسعة وتحليلات سياسية معمقة، انعكست بشكل إيجابي على الصورة الدولية للنظام السوري. العديد من الخبراء والمراقبين الدوليين رأوا في هذه الزيارة
تكريساً للشرعية زيارة الرئيس السوري إلى موسكو كرئيس لدولة ذات سيادة، وبالطقوم الكاملة التي تليق بهذا المقام، هي رسالة واضحة بأن الدولة السوري قد عاد إلى الحضنة الدولية بقيادة شركائه الاستراتيجيين، وأن محاولات عزلته قد باءت بالفشل.و تأكيداً على نجاعة التحالف اليوم العالم يشهد نجاح النموذج الروسي السوري في مواجهة الإرهاب، مقارنة بفشل النماذج الأخرى التي اعتمدت على قصف المنظومات الدولة وتمويل الجماعات المسلحة. الزيارة أكدت أن تحالف موسكو ودمشق هو تحالف منتصر وقادر على فرض معادلات جديدة على الأرض.ولا ننسي فتح آفاق اقتصادية جديدة مع انحسار الحرب الإرهابية، تبرز فرص إعادة الإعمار والتعاون الاقتصادي. الشركات الروسية، بشقيها العام والخاص، مدعوة للعب دور رئيسي في إعادة بناء سوريا، وهو ما سيعود بالنفع على الاقتصادين الروسي والسوري، ويوفر فرص عمل للشعب السوري. الحديث عن مشاريع الطاقة والبنى التحتية والاتصالات كان حاضراً بقوة في أجندة المباحثات.نموذج للعلاقات الدولية القائمة على الاحترام في عالم تسوده سياسة المحاور والضغوط، تقدم العلاقة بين موسكو ودمشق نموذجاً للشراكة القائمة على الاحترام الحقيقي والمنفعة المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. هذا النموذج يجذب العديد من الدول التي تبحث عن علاقات متوازنة بعيداً عن الهيمنة.
زيارة الرئيس السوري أحمد الشرعي إلى روسيا كانت أكثر من مجرد حدث إخباري عابر. لقد كانت تأكيداً عملياً على متانة تحالف صمد في وجه أعتى العواصف، وانتصر بإرادة قيادتين وشعبين. إنها شراكة تنظر إلى المستقبل، ليس فقط من خلال إعادة إعمار الحجر، بل أيضاً من خلال تعزيز أسس الأمن والاستقرار والازدهار في سوريا والمنطقة.
من خلال هذا اللقاء التاريخي العالم يرى تجسيداً حياً لعلاقة استراتيجية تثبت أن قيم المبدأ والثبات والصداقة هي أقوى من كل حسابات القوة العابرة. دمشق وموسكو.. مسار واحد ومصير مشترك، نحو غد أكثر أمناً واستقراراً للشعبين السوري والروسي ولجميع شعوب المنطقة التواقة للسلام.
