
في سياق التحولات الدولية المتسارعة، تأتي الزيارة المرتقبة للرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن كمحطة تاريخية في مسار العلاقات السورية الأمريكية، حيث تمثل هذه الزيارة الأولى من نوعها منذ سبعين عاماً. وفي تحليل خاص لشبكة شام نيوز إنفو على هواء إذاعة فيرجن إف إم، يرى الباحث والمحلل السياسي مصطفى النعيمي أن هذه الزيارة تحمل دلالات عميقة وتشكل منعطفاً حاسماً في رسم ملامح السياسة الإقليمية والدولية، حيث تأتي في إطار سلسلة من المنعطفات الدولية تجاه منطقة الشرق الأوسط، ويشكل المتغير السوري بدءاً من إسقاط نظام الأسد وليس انتهاءً بطبيعة العلاقات الدولية الجديدة محوراً رئيسياً في هذه المعادلة.
يكشف النعيمي عن الأبعاد الاستراتيجية للزيارة، مشيراً إلى أن أولويات واشنطن الحالية تتمثل في ملف الأمن الدولي وأمن الطاقة، في ظل محاولات ظهور أقطاب منافسة بدءاً بالصين ومروراً بروسيا وإيران. ويسجل أن الولايات المتحدة تعمل على تفكيك الخصوم من خلال إشغالهم ذاتياً وإقليمياً، كما يحصل في الحرب الروسية الأوكرانية التي تمثل رسالة واضحة لاحتواء القوة الروسية وتفكيكها بشكل متدرج، وكذلك في معركة الرقائق والموصلات التكنولوجية مع الصين التي تجعل وجود الصين مرتهناً بالمنح الأمريكية في هذا المجال.
على صعيد الملفات المطروحة للبحث، يبرز النعيمي أن زيارة الرئيس الشرع ولقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحمل رسائل كبيرة تتجاوز الإطار البروتوكولي إلى بناء شراكات استراتيجية، أبرزها مشروع الطاقة الذي سيمر عبر الأراضي السورية، بما في ذلك خط الغاز الخليجي وخط النفط العراقي كركوك-بانياس وصولاً إلى دول الاتحاد الأوروبي. ويسجل أن الموقع الجيوسياسي لسورية سيكون له دور محوري في تفكيك العديد من الأزمات الإقليمية، مما يعكس تحول سورية من مرحلة المتأثر إلى مرحلة المؤثر في المعادلة الإقليمية.
في تحليل أسلوب التعامل الأمريكي، يرى النعيمي أن تصريحات ترامب التي لم تؤكد الزيارة ولم تنفها تحمل بعداً استخباراتياً موجهاً، حيث تهدف إلى قياس الرأي العام الأمريكي وتهيئته لاستقبال الرئيس السوري، في خطوة تعكس التحول في الصورة النمطية عن سورية من دولة يهددها الإرهاب إلى شريك استراتيجي. ويسجل أن هذه الزيارة تشكل رسالة تعزيز لمكانة الدولة السورية، وتبديد لمخاوف المنظومة الدولية من تأجيج بؤر توتر جديدة.
على الصعيد العسكري والأمني، يسجل النعيمي تقدماً ملموساً في مسار إعادة الضباط المنشقين إلى المؤسسة العسكرية والأمنية، بما في ذلك الرتب العليا كعميد ولواء، مما يشكل رسالة تطمين للداخل السوري بأن الدولة تعمل على تفكيك الهواجس وتبديدها تدريجياً بمشاركة جميع أبناء سورية. ويشير إلى أن هذه الرسالة الجمعية تختلف عن السابق، حيث كانت الرسائل توجه نحو مجموعات معينة على حساب أخرى، بينما اليوم يتم التعامل مع جميع مكونات الشعب السوري بشكل متوازن.
فيما يخص التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، يكشف النعيمي عن تحضيرات أمريكية لعملية عسكرية كبيرة في البادية السورية ضد تنظيم داعش، مشيراً إلى أن الجهوزية العسكرية التي تتمتع بها الحكومة السورية تشكل رسالة لواشنطن بأن سورية على أتم الاستعداد للمشاركة في هذه المشاريع المشتركة. ويسجل أن تعريف الإرهاب توسع ليشمل مجموعات خارجة على القانون تعمل في أراضي الجوار، بما في ذلك بعض مجموعات الحشد الشعبي في العراق التي ترفض الاندماج في المؤسسة العسكرية النظامية.
ختاماً، يؤكد النعيمي أن التحدي الأكبر يتمثل في تحقيق التوازن بين المصالح الدولية المتقاطعة والإرادة الوطنية السورية، في مسار دقيق يتطلب حكمة بالغة للحفاظ على المكاسب الوطنية مع الانخراط في الشراكات الدولية. ويبقى السؤال المركزي: هل ستتمكن سورية من تحويل هذه الزيارة التاريخية إلى رافعة حقيقية لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، أم أن تعقيدات المشهد الدولي ستحد من تأثيرها؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ملامح المرحلة القادمة في المسيرة السورية، خاصة في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة والتنافس بين القوى الكبرى على النفوذ في المنطقة.

