انتصار تاريخي لروسيا… ويتكوف يزور موسكو حاملاً رسالة من ترامب إلى بوتين
اجتماعات أمريكية أوكرانية مثمرة في جنيف تتجاوز العراقيل الأوروبية وتتجاهلها كلياً.. واجتماعات عسكرية بين روسيا والولايات المتحدة لبحث الترتيبات الأمنية في أبوظبي..
منذ وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قدمه في البيت الأبيض، أصبحت قضية إنهاء الحرب في أوكرانيا هي مسألة وقت، وبات وقف القتال تحصيل حاصل.. وكان السؤال: متى يستطيع ترامب إنجاز هذا العمل؟ ولكن ترامب تفاجأ بحجم القوى التي تعارضه، ليس في أوروبا وإنما في الداخل الأمريكي أيضاً، عدا عن تعقيدات الحرب نفسها….
ومع أن روسيا كانت محظوظة بخسارة الديمقراطيين في الانتخابات الأخيرة وفوز الجمهوريين برئاسة ترامب، بكونه من أكثر الرؤساء الأمريكيين تفهماً للمتطلبات الروسية ولمبادئ الأمة الروسية المبنية بالدرجة الأولى على الكرامة الوطنية التي جعلت بوتين يوماً يقول: “ما نفع العالم بدون روسيا…..؟”.
ولا شك أن اندفاعة ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وإن تأخرت نتائجها، إلا أن ثمارها ستحصدها روسيا لأجيال قادمة، لأن الحرب في أوكرانيا ليست حرباً عادية أو خلافاً على الحدود بين بلدين، وإنما هي حرب ترسيم حدود العالم بين الشرق والغرب، وهي حرب سيسجلها التاريخ في صفحاته لكون نتائجها تؤثر على التوازنات الدولية وتغير معادلاتها وتحدد أحجام الدول وأدوارها وثقلها السياسي. فأوروبا الخاسر الأكبر، إن وزنها قبل الحرب كان مختلفاً عما هو عليه الآن….
وإذا أردنا استعراض مواقف الأطراف الأربعة المنخرطة في هذه الحرب القاسية والطويلة، وهي روسيا الاتحادية وأوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، من خطة ترامب بعد اجتماعات جنيف واللقاءات العسكرية التي جمعت ضباطاً أمريكيين وروساً في أبوظبي، وضباطاً أمريكيين وأوكرانيين في كييف. أما أوروبا فقد شاركت في المحادثات الأمريكية الأوكرانية السياسية في جنيف، ولم يتم إشراكها في اللقاءات العسكرية. مع الإشارة إلى أن روسيا والولايات المتحدة كانتا تعملان معاً خلال الأشهر الماضية لإبعاد الاتحاد الأوروبي عن المفاوضات الجارية وتجاهل الدور الأوروبي بشكل كامل. غير أن انخراط القارة العجوز منذ العام 2014 في النزاع الروسي الأوكراني، واتساع التدخل الأوروبي بعد فوز ترامب بالانتخابات، ودعم بروكسل لنظام زيلينسكي بالمال والأسلحة والمرتزقة، جعل من الصعوبة بمكان تجاوز الدور الأوروبي. ولهذا جرت على مدى أيام في جنيف مفاوضات ثلاثية مشتركة أوكرانية أمريكية أوروبية لمناقشة خطة السلام الأمريكية، انتهت بالموافقة على الخطة الأمريكية وتعديل بعض بنودها…
ومن الواضح أن زيارة الرئيس بوتين إلى قرغيزستان في هذا التوقيت، حيث الجبهات مشتعلة في أوكرانيا والمفاوضات في أوجها بين جميع الأطراف، تعطي انطباعاً بأن الرئيس بوتين أصبح مطمئناً وواثقاً من النتائج، وأن موسم الحصاد وقطف ثمار التضحيات الجسيمة التي قدمها الجيش الروسي لاستعادة الدونباس وتحريرها كاملة باتت قريبة جداً بعد حرب استمرت أربع سنوات. مع أن المشكلة بالنسبة لروسيا تكمن في الموقف الأوروبي الذي يدفع لاستمرار الحرب على عكس ما تتبناه الخطة الأمريكية.
المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف استبق المحادثات الروسية الأمريكية التي يجريها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف في موسكو بداية كانون الأول القادم، وأكد أنه من السابق لأوانه الحديث عن اقتراب “اتفاق السلام” في أوكرانيا، مضيفاً أن العديد من الأشخاص في دول مختلفة بما فيها الولايات المتحدة يحاولون عرقلة مسار التوصل إلى اتفاق سلام بشأن أوكرانيا…
وفيما أشار نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف إلى ما أسماه محاولات قذرة كثيرة لعرقلة التحرك الطبيعي لروسيا والولايات المتحدة فيما يتعلق بالتسوية في أوكرانيا، فقد أكد مساعد الرئيس الروسي يوري أوشكوف بأن الأوروبيين يتدخلون بلا داع في الخطة الأمريكية للتسوية في أوكرانيا. وأشار مساعد الرئيس الروسي إلى أن بعض النقاط بالخطة الأمريكية المتعلقة بأوكرانيا إيجابية لكن بنوداً فيها تتطلب مناقشة…… وأعلن أوشكوف أن المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف سيزور موسكو حاملاً رسالة من الرئيس ترامب إلى الرئيس بوتين…
في هذه الأثناء، لم تستبعد موسكو إمكانية إجراء اتصال هاتفي بين وزيري الخارجية الروسي والأمريكي لافروف وروبيو، لبحث الخطة الأمريكية المنقحة لإنهاء الحرب في أوكرانيا بعد كل التعديلات الأوروبية والأوكرانية.
وفي حديثه أثناء زيارة وزير الجيش الأمريكي دان دريسكول إلى أبوظبي لعقد اجتماعات مع مسؤولين روس بشأن مقترح إدارة ترامب، قال المسؤول الأمريكي: “وافق الأوكرانيون على اتفاق السلام. هناك بعض التفاصيل الثانوية التي يتعين تسويتها، لكنهم وافقوا على اتفاق سلام”.
وبالنظر إلى وجود انطباع بأن خطة ترامب الحالية نهائية، وإذا فشلت فإن الحرب ستستمر طويلاً، فقد كانت المواقف أكثر حذراً، وعبرت عن الجوانب الإيجابية بعد التعديلات على الخطة الأمريكية.
وفي هذا الإطار، أعلن وزير الخارجية الألماني أن محادثات جنيف حققت نصراً حاسماً للأوروبيين حسب قوله، فيما أكد البيت الأبيض أن تقدماً مطرداً تحقق خلال محادثات جنيف حول خطة ترامب لحل الأزمة الأوكرانية.
وجاء في بيان صادر عن البيت الأبيض أعقب اجتماع الوفد الأمريكي مع نظرائه الأوكرانيين في جنيف: “اتفقت الإدارة الأمريكية وممثلو أوكرانيا على مواصلة المشاورات لوضع اللمسات الأخيرة على خطة لحل الأزمة الأوكرانية”.
وأعلن البيت الأبيض أن الوفد الأوكراني المشارك في محادثات جنيف في الرابع والعشرين من تشرين الثاني عام 2025، أكد أن الخطة الأمريكية المقترحة للتسوية في أوكرانيا توفر “آليات موثوقة وعملية” تضمن أمن أوكرانيا وتعكس المصالح الوطنية لكييف، موضحاً أن المحادثات عقدت بصيغة موسعة بحضور وزير الخارجية ماركو روبيو، والمبعوثين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، ووزير الجيش دانيال دريسكول، مؤكداً أن المحادثات كانت “بناءة ومثمرة، واتسمت المحادثات بالصراحة والتفصيل، وجرت في أجواء عكست روح الشراكة والهدف المشترك”.
من جانبه، أبدى الوفد الأوكراني موافقته على خطة ترامب باعتبارها تحقق المصالح الوطنية لأوكرانيا، وفي مقدمتها أنها تقدم ضمانات الأمن، والتنمية الاقتصادية طويلة الأمد، وحماية البنية التحتية، وحرية الملاحة، والسيادة السياسية – وكل هذه المسائل جرى بحثها في جنيف.
كما لفت البيان إلى أن الوزير روبيو جدد التأكيد على “التزام الولايات المتحدة الراسخ بضمان أن تبقى سيادة أوكرانيا وأمنها وازدهارها المستقبلي في صميم العملية الدبلوماسية الجارية”، مؤكداً أن هذا الجهد يستند إلى “هدف الرئيس ترامب المتمثل في إنهاء حرب أودت بحياة ملايين الأشخاص، ومنع مزيد من الخسائر في الأرواح من خلال إرساء سلام دائم وقابل للتنفيذ”.
واختُتم الاجتماع بتفاهم مشترك مفاده أن ما تحقق في جنيف “يمثل خطوة مهمة إلى الأمام”، وأن استمرار التنسيق الوثيق سيظل ضرورياً فيما تواصل الأطراف عملها من أجل سلام شامل ودائم.
وعلى عكس جولات المفاوضات السابقة، فقد أبدى الوفد الأوكراني مرونة كبيرة في وقت يحقق الجيش الروسي تقدماً كبيراً، وخاصة على جبهة خاركيف التي يتحدث سكانها الروسية، وهي هدف سهل للروس، وهذا ما دفع بنظام كييف إلى إبداء المرونة في المفاوضات، فأعلن قبول المبادرة الأمريكية بعد إجراء تعديلات على بعض بنودها البالغة 28 بنداً تتعلق بضمانات أمنية مستمرة مقابل الاعتراف بسيادة روسيا على إقليم الدونباس إلى الأبد..
وهكذا تتكشف نتائج الحرب في أوكرانيا بعد أربع سنوات من القتال، لكونها حرباً أطلسية ضد روسيا، وهي بتداعياتها الخطيرة ونتائجها أيضاً أشبه بالحرب العالمية الثانية… ونظرة سريعة إلى نتائج قمة ألاسكا بين الرئيسين ترامب وبوتين، فإنها تعيد التاريخ إلى قمة مالطا في نهاية الحرب العالمية الثانية، مع فارق جوهري وهو أن روسيا اليوم تنتصر على الناتو بدوله وإمكاناته، وهي حرب مركبة عسكرية واقتصادية واستخباراتية، وهي امتحان لروسيا التي حجزت لنفسها بتضحياتها وقوة جيشها وقواتها الجوفضائية وجيش مسيراتها، وبصبرها وقرارها الحاسم بالنصر، حجزت مكاناً مرموقاً كقطب من أقطاب السياسة الدولية يحسب لها ألف حساب بعد الانتصارات الاستراتيجية التي حققتها في أوكرانيا… وقد بات من شبه المؤكد أن خطة ترامب تمضي ولن يستطيع أحد عرقلتها، وربما يدخل العالم السنة الجديدة 2026 بعد شهر وقد وضعت الحرب أوزارها، وحققت العملية الروسية في الدونباس….
