منهج تعليمي متكامل يُحدث ثورة في تعليم الأطفال.. “التعلم النشط ” تطبيقه الفعال يحتاج إلى توفر موارد مادية وكوادر مدربة
ترتكز العمليّة التعليمية في المنهاج التربوي «المونتيسوري» على الطفل ذاته فيكون هو محور العملية التعليمية وليس المنهاج، كما هي الحال في الروضات التقليدية، فيكون الاهتمام منصباً على شخصيّة الطفل بصورة “متكاملة” ومن كل الاتجاهات، من دون تدخل مباشر من المعلم، فيكون الطفل هو محور الاهتمام في العملية التعليمية وليس المنهاج، ونقطة الانطلاق التي يستطيع الطفل من خلالها تحقيق النجاح والتقدم في المراحل التعليمية اللاحقة في حياته العملية.
بسيسيني: يجب الابتعاد عن أسلوب التلقين والتوجّه نحو التعلّم “النشط”
«مونتيسوري» في سورية
كيف يمكن لمنهج مونتيسوري أن يسهم في تعزيز مهارات الطفل وتنمية قدراته الشخصيّة بشكل فعّال في العملية التعليمية؟ سؤال وجهته إلى مديرة المركز الإقليمي لتنمية الطفولة المبكرة سهى بسيسيني, لتجيب بأن منهج مونتيسوري ليس “مجرّد أدوات وأنشطة وإنّما نظام حياة ومنهج تعليمي متكامل” مبنيّ على الاحترام وتقدير الطفل، بإعطائه عملاً مناسباً لينمو ويتطوّر بالطريقة المثلى، كما يهتمّ ببناء شعور الطفل بالإنجاز تجاه نفسه وبالاحترام تجاه الآخرين.
من جهتها بينت مدربة في منهاج المونتيسوري لميس نادر , قائلة: إن الطفل هو من يوجهنا لتعليمه وفق اهتماماته وميوله، فعندما يشعر الطفل بهذه الحرية مع وجود أدوات تعليمية تتوافق مع احتياجاته فإنه سيرغب في معرفة المزيد عن نفسه واكتشاف قدراته وتطوير مهاراته، على عكس الطفل الذي لا يملك حرية الاختيار.
مبادئ مونتيسوري الرئيسة
أكدت بسيسيني أن أهم المبادئ التي يرتكز عليها التعليم في مونتيسوري, هي الاستقلاليّة، ويكتسب الطفل استقلاليته بتنفيذه المهام بنفسه, و”حريّة الاختيار”، التي تكون وفق حدود واضحة وثابتة ومنطقية، لتعزيز نموّه بطريقة إيجابيّة، وبالتالي تنمية الانضباط الذاتيّ لديه داخل بيئة الصف وخارجها, أما الخيال فيعزز بالأنشطة ذات النهايات المفتوحة، والتي تحفّز التعبير عن الذات, والاحترام الذي يكون من خلال معاملته كشخص مستقلّ، وتحفيزه على احترام الأشخاص والأشياء المحيطة به, وهناك أيضاً الاكتشاف، حيث يتيح للطفل فرصة اكتشاف الإجابات بنفسه، وبالتالي حل المشكلات ذاتياً.
إغناء أنشطة التعلّم بأنشطة تشمل الرحلات والزيارات العلميّة تقدّم للطفل أنشطة تعليميّة هادفة
وحسب بسيسيني فإن معلّم مونتيسوري المُدرَّب، يجب أن تكون لديه معرفة مختصّة بنمو الطفل والغرض من استخدام كلّ نشاط في بيئة التعلّم, مشيرة إلى أن التعليم العملي هو من أساسيّات المنهاج ، حيث يفعّل استخدام الجسد والعقل والحواس ليتحوّل التعلّم إلى نشاط فعّال, وكذلك تجهيز البيئة حتى تلائم مراحل نموه جسديّاً وعقليّاً واجتماعيّاً وعاطفيّاً.
وفي سياق متصل أوضحت نادر وجود مواد تعليمية تفاعلية متاحة للطفل بشكل دائم وتوضع في الأماكن المناسبة، ليستخدمها بحرية فتقلل من تدخل المعلم في العملية التعليمية، لأنها تحتوي على ضابط خطأ يخبر الطفل بمدى تقدمه فيكون بذلك قائداً لمسيرة تعلمه فيشعر بالرضا عند إنجاز عمله ويدرك مستوى جديداً في إمكانياته وقدراته لم يكن يعرفه مسبقاً، ما يسهم في إدراكه للمعلومة بشكل كبير وتخزينها في ذاكرته بشكل دائم.
فوارق
وأكدت بسيسيني أن هناك فوارق في العملية التعليمية بين المدارس التقليديّة ومنهج مونتيسوري, حيث تعتمد المدارس التقليدية في أساليب تعليمها على الحفظ والتلقين وتنظّم الدروس حسب “المنهاج”, ويعد المعلّم مصدراً للمعرفة وهو القائد والموجّه في تقديم المعلومات, كما يعتمد التعليم التقليدي على تقييم الأداء بالامتحانات والاختبارات الموحّدة، التي تركّز على قياس مستوى المعرفة والمهارات الأكاديميّة للطفل، حيث تعكس الدرجات والتقارير الفصليّة تحصيل الطفل الدراسي وتقدّمه في المناهج الموحّدة, كما تستخدم المدارس التقليدية الأثاث التقليديّ في المدارس كلها كالمقاعد التي تحدّ من حركة الطفل, أما التحفيز فيكون من خلال الثواب والعقاب, ويكون المنهاج هو محور تركيز المعلّم من دون استخدام الأدوات والوسائل التعليميّة التي تخدم المنهاج.
أما في منهج مونتيسوري، فيتعلّم الطفل من خلال تجاربه التفاعل مع المواد التعليميّة, ويتم تشجيع الطفل على اكتشاف وتطوير مهاراته الفرديّة والتعاون مع أقرانه، كما تركّز الأهداف التعليميّة على تنمية قدرات الطفل ومهاراته الذاتيّة من خلال تعزيز الاستقلال والاكتشاف, والتشجيع على التفكير النقدي والإبداع والتعاون بين الأطفال, كما يُعد المعلم مرشداً ومساعداً للطفل في تطوير مهاراته ويراعي احتياجات كلّ طفل على حدة, ويتم تقييم الأداء بشكل أكثر تفصيلاً وشمولاً، حيث تتمّ مراعاة التطوّر العاطفيّ والاجتماعيّ والمعرفيّ للطفل ويجري توثيق النمو والتطوّر الفرديّ لكلّ طفل عن طريق الملاحظات المستمرّة والتواصل المباشر مع الأسرة, ويكون “الطفل” هو محور تركيز المعلّمة, كما يترك للطفل حرية الحركة والتنقل من دون إزعاج الآخرين, أما عن التعلّم الذاتيّ فيعلّم الطفل نفسه بنفسه باستخدامه للمواد والأدوات الموضوعة على الرفوف المفتوحة التي تناسب حجم الطفل, أما البيئة فتكون مهيأة لتكون كالمنزل وبالتالي تسبب راحة للطفل.
التعلم النشط
وهنا نوهت بسيسيني إلى أنه يجب الابتعاد عن أسلوب التدريس التقليديّ القائم على التلقين، والتوجّه نحو التعلّم “النشط” الذي يتعلّم فيه الطفل كيف يتفاعل مع المعلّم وأقرانه داخل الصف، كما ينبغي إغناء أنشطة التعلّم بأنشطة لا صفيّة هادفة تشمل الرحلات والزيارات العلميّة, وأهمية تغيير تعامل المعلّم مع الطفل، والنظر إليه كشخص قادر على التفاعل مع بيئته لأنّه لم يعد مصدر المعرفة الوحيد, فأصبح هناك العديد من المصادر التي يتلقّى منها المعارف كالإنترنت والإعلام والكتب والمجلّات والأندية, والعمل على تطوير المناهج لتصبح أكثر مرونة من خلال مراعاة احتياجات وميول نموه لكلّ مرحلة عمريّة, وتزويد المدرسة بمصادر التعلّم المختلفة وأماكن مخصّصة ومجهّزة لتطبيق الخبرات المتضمّنة للمنهاج التي تجذب الطفل لقضاء وقت تعليميّ ممتع، مع ضرورة اختيار معلّم قادر على التواصل بشكل فعّال، ويتمتع بالصبر والقدرة على إتقان طرائق التدريس الحديثة ومواكبة التطوّرات السريعة في عصر الإنترنت والتكنولوجيا.
نادر: الطفل هو من يوجهنا لتعليمه وفق اهتماماته وميوله وعندها يشعر الطفل بهذه الحرية والاحترام
وفي سياق متصل بينت نادر أن منهاج المونتيسوري يجمع بين التعليم الفردي والجماعي، حيث إن الموجهين يعلّمون الأطفال بشكل فردي ما يجعل الطفل قادراً على التقدم وفق وتيرته الخاصة، كما تعد مدارس المونتسوري أن الطبيعة هي المعلم الأول للطفل من حديقة خارجية ورحلات، لافتة إلى أن كل أدوات المونتسوري مصنوعة من مواد طبيعية حقيقية، وهي تعمل على بناء شخصية الطفل بشكل متزن من خلال ركن خاص يدعى ركن السلام.
يحتاج إلى بيئة مادية وبشرية
وعن إمكانية تطبيق هذا المنهاج في سورية على نطاق واسع من وزارة التربية، بينت بسيسين, أنه حاليّاً يتمّ تطبيق مناهج أعدتها وزارة التربية تمّ تضمينها أنشطة مونتيسوري والاعتماد على فلسفتها في إعداد الأنشطة لكون مونتيسوري إحدى مدارس التربية، وفي تأليف المناهج يُعتمد على عدة مدارس تربويّة تواكب المجتمع والعصر إلا أن تطبيق مونتيسوري بشكل دقيق يحتاج إلى بيئة مادية وبشرية وفق المعايير الخاصّة بها، وتأهيل كوادر وتدريبها حتى يُحقق الهدف.
نادر: الطبيعة هي المعلم الأول للطفل
من جهتها أوضحت نادر أن أدوات منهاج المونتيسوري تحتاج إلى قاعدة مادية ليست بقليلة، ما يشكل عائقاً في بعض الأحيان في إحداث مدارسها، وكحل بديل تقوم الأمهات بالاشتراك بدورات تدريبية تعلم منهج المونتسوري لتطبيقه في المنازل مع أطفالهن، لافتة إلى أنه رغم غلاء أدوات المونتيسوري، إلا أنه بالإمكان صنعها من مواد متوافرة في أي منزل، والتي تهدف إلى تعليم الطفل المفاهيم (بتدرج من الأسهل إلى الأصعب ومن المحسوس إلى المجرد).
وختمت بسيسيني بأن القسط السنويّ يُحدّد من وزارة التربية بالنسبة للروضات الحكوميّة، في حين نوهت نادر إلى أن منهج مونتسوري يعطى من خلال دورات تدريبية وبإدارة مختصين تتبعها الأمهات والمعلمات، وفي حال تعلم الأمهات هذا المنهاج يمكنهن تطبيقه مع أطفالهن في المنزل بشكل فعال ما يسهم في تأسيس الطفل بشكل سليم، ووفقاً لـ”نادر” فإن عدد الأطفال في صفوف المونتسوري يتراوح بين 15 و20 طفلاً في الصف الواحد، وأن القسط السنوي في الصف الأول من دون المواصلات يبلغ 14 مليون ليرة.