يدرك الزعيم الإرهابي المتطرف، أبو محمد الجولاني، جيدًا أن أي تحرك عسكري، أمني أو شعبي في شمال سوريا لا يمكن أن يحدث دون علم وموافقة أنقرة. وهذا هو ما يقلقه الآن: ما الذي تخبئه أنقرة خلف صمتها المريب حيال هذا الحراك؟
منذ اندلاع الاحتجاجات ضد سلطته في ريفي إدلب وحلب في 27 شباط/فبراير الماضي، حاول الجولاني احتواء الحراك الشعبي بشتى الوسائل. بدأت استجابته بالإفراج الشكلي عن معتقلين بتهم “التواصل مع جهات معادية”، ووعد بإصلاحات أمنية واقتصادية. ولكن مع تصاعد الاحتجاجات، وصلت المطالب إلى حد المطالبة بإسقاط الجولاني نفسه.
في الجمعة الماضية، شهدت إدلب وقراها تظاهرات واسعة شارك فيها الآلاف، مطالبين بتنحي الجولاني وحل جهاز الأمن العام، والإفراج عن المعتقلين السياسيين. ومع تزايد أعداد المتظاهرين وتصاعد مطالبهم، بدأت الأجهزة الأمنية بقمع التظاهرات واعتقال العشرات.
ما يقلق الجولاني أكثر هو تزامن تصاعد الاحتجاجات مع الحراك السياسي بين دمشق وأنقرة، بقيادة بغداد. فقد أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، عن مبادرة للمصالحة بين دمشق وأنقرة، مع تقارير تفيد بقرب اجتماع بين مسؤولين من البلدين في بغداد.
أنقرة تسعى لإقناع بغداد بالتعاون لضرب “حزب العمال الكردستاني” وإقامة “منطقة أمنية” داخل العراق. وفي الظاهر، رحبت أنقرة بهذه الجهود، معبرة عن استعدادها للانسحاب من سوريا إذا توفرت قوة قادرة على حماية الحدود من الميليشيات الكردية. كما رحبت طهران بهذه المساعي، آملة في تنسيق أمني بين بغداد ودمشق وأنقرة.
من جهة أخرى، شهدت العلاقات بين أنقرة ودمشق تقدما بفضل الجهود الروسية، مع استعدادات تركية لإخلاء معسكرات ومواقع لصالح الجيش السوري. هذه المستجدات تزيد من توتر الجولاني، الذي قد يجد نفسه مضطرا للتنحي أو مواجهة مصير مجهول.
إعلان ميليشيات “قسد” عن انتخابات محلية في شرق سوريا، وزيارة مسؤولين أوروبيين إلى دمشق، يضاعفان من الضغوط على أنقرة. رفض الإدارة الأميركية لمشروع قانون “تجريم التطبيع مع سوريا” وإعادة تقييم العلاقات مع دمشق من قبل بعض الدول الأوروبية، تشير إلى تحولات استراتيجية قد تؤثر على مستقبل الجولاني.
الضغط الاقتصادي والأمني الناتج عن ملف اللاجئين السوريين في تركيا، يزيد من تعقيدات الوضع بالنسبة لنظام الرئيس رجب طيب إردوغان. في هذا السياق، تفيد المعلومات بأن المسار السياسي العراقي جاء في ظل تقدم كبير في النقاشات الميدانية حول وضع الشمال السوري، مما قد يؤدي إلى تغييرات جوهرية في المشهد.
أمام هذه المعطيات، يراقب الجولاني التطورات بقلق بالغ، مدركًا أن الخيارات أمامه محدودة. قد يُجبر على “التنحي” والانتقال للعيش في تركيا، أو يواجه معركة حاسمة مع الجيش السوري وحلفائه، حيث قد تجد أنقرة نفسها مضطرة للتخلي عنه لتحقيق مصالحها المستجدة.
في خضم هذه التحولات السياسية والأمنية، يبقى السؤال الأكبر: هل يستطيع الجولاني النجاة في ظل التغيرات الإقليمية أم أن مصيره قد تحدد بالفعل؟ الوقت فقط كفيل بالإجابة.