يبدو أن جملة المتغيرات الدولية، إن لجهة العلاقة مع سورية بعد الانفتاح العربي، وإن لجهة الخلل الذي أحدثته الحرب الأوكرانية في وحدانية القطب الأمريكي، وتراجع قدرة ادارة واشنطن على الاستمرار في خطة اعادة رسم المنطقة، هذه المتغيرات يبدو أنها أثرت سلبا على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأمر الذي انعكس تراجعا خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الاخيرتين، و دفعه إلى تغيير موقفه من سورية والالتحاق بخارطة الطريق التي رسمتها موسكو لتحسين العلاقات بين دمشق و انقرة، وها هو يفاجىء مستمعيه خلال صلاة الجمعة وهو يستحضر بعد ثلاثة عشر عاما من العداء لسورية اللحظات والسنوات التي جمعت البلدين ويستذكر العلاقات التي كانت تربطه مع الرئيس الاسد وكانه يريد ان يمسح بلحظة واحدة من ذاكرة مستمعيه تلك السنوات، قائلا “سنعمل معا على تطوير العلاقات مع سوريا بنفس الطريقة التي عملنا بها في الماضي مشيرا الى ان بلاده لن تتدخل ابدا في شؤون سوريا الداخلية، مؤكدا أنه يجب أن لا يختلف اثنان على ان الشعب السوري والشعب التركي يرتبطان بعلاقات اخوية تاريخية وحدود تمتد ل 932 كيلو مترا ومصالح و ارادة مشتركة.
الرئيس بشار الاسد من جانبه اكد لمبعوث الرئيس الروسي الكسندر لافرنتييف انفتاح سورية على جميع المبادرات المستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها من جهة، ومحاربة جميع أشكال الإرهاب وتنظيماته من جهة أخرى بما يحقق الاستقرار في سورية والمنطقة عموماً، تصريحات الرئيس الاسد واستجابته للجهود الروسية حركت الاجواء الراكدة وغيرت المناخات السائدة واثلجت صدور السوريين الحريصين على مصالح الوطن وامنه واستقراره، وقد تلقفت وسائل الاعلام هذه الاستجابة بالترحيب و الاشادة .
خارطة الطريق لتحسين العلاقات السورية التركية نضجت برعاية روسية عربية مثلتها السعودية والعراق اللتان ستكونان أكثر المستفيدين من هذه الخطوة بعد تركيا و سورية اقتصاديا وتجاريا من خلال فتح الحدود وانسياب حركة النقل البري الأقل كلفة.
ولعل الأمور تجري بأسرع مما كنا نتخيل، فمعبر أبو الزندين بات متاحا لحركة ٱمنة، ومعابر أخرى تتحضر للزوال والعودة إلى كنف الدولة السورية، وقاعات في العاصمة العراقية بغداد تتحضر لاستقبال الوفود من دمشق وأنقرة، فيما يتوقع مراقبون قد لا يخيب ظنهم أن يكون اللقاء بين الرئيسين الروسي بوتن والتركي أردوغان ثلاثيا بحضور الرئيس الأسد قريبا.
تحولات كبرى تجري في فضاء السياسة السورية خارجيا و داخليا تغير المشهد كليا، تجعلك للحظات تتأمل كم كانت رهانات دمشق صائبة رغم بعد المسافة بين 2011 و 2024 ولا يزال غدا لناظره غير بعيد.
إياد ابراهيم