في حوار خاص مع شبكة شام نيوز إنفو على هواء إذاعة ميلودي إف إم، تناول المحلل السياسي أحمد يوسف تطورات الوضع في الجزيرة السورية، مسلطا الضوء على الاتفاق الذي تم بوساطة روسية بين الحكومة السورية وميليشيا قسد لإعادة الأمور إلى نصابها في الحسكة، على الرغم من استمرار التوتر في ريف دير الزور الشرقي. يوسف أشار إلى أن ميليشيا قسد لو كانت تمتلك القرار الكامل، لسارعت إلى الاتفاق مع القيادة السورية، لكن القرار النهائي لا يزال في يد الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن المشهد المعقد داخل قسد يعكس وجود جناحين مختلفين: جناح يسعى للتوافق مع الحكومة السورية، وآخر يرتبط بمصالح كردستان العراق، مما يعكس تباينا في التوجهات داخل القيادة.
أضاف يوسف أن التطورات الميدانية هي التي تفرض الحلول السياسية، موضحا أن قادة ميليشيات قسد الذين كانوا يتسمون بالتشدد في البداية، اضطروا للجوء إلى روسيا بعد خذلان الولايات المتحدة لهم عند مواجهة العشائر لتحرير أراضيها. وتابع قائلاً: “مجرد دخول روسيا على الخط بهذا الشكل يشير إلى أن نافذة الحوار بين قسد والدولة السورية أصبحت مشرعة بشكل أكبر”. هذا التحول يفرضه الواقع الميداني، وهو ما يعكس مرحلة جديدة ليست فقط في سوريا والجزيرة، بل في المنطقة بأسرها، خصوصا مع الرد المتوقع من إيران وحزب الله على إسرائيل، وهو ما سيغير المعطيات في المنطقة برمتها.
وفيما يتعلق بالترابط بين الأحداث في أوكرانيا وغزة والجزيرة السورية، أكد أحمد يوسف أن ما يجري في هذه المناطق مترابط ومرتبط بعضه ببعض، من بحر الصين إلى أوكرانيا وصولاً إلى الشرق الأوسط. وأوضح أن التطورات في منطقتنا ستكون لها انعكاسات على مسار الأحداث في أوكرانيا وبحر الصين الجنوبي. كما أشار إلى أن الرد المتوقع لن يقتصر على اغتيالات بيروت وطهران، بل سيشمل أيضا الرد على الهجوم الأوكراني على كورسك، مؤكدا أن التأثيرات متبادلة. وأضاف يوسف: “روسيا التي كانت مترددة في فتح مخازن أسلحتها لإيران ومحور المقاومة، باتت اليوم مستعدة لتقديم أسلحة متطورة بعد تطورات كورسك”.
وعن تأثير روسيا على ميليشيا قسد، أوضح يوسف أن ما حدث خلال الأسبوع الماضي، من فك الحصار عن الحسكة والقامشلي بوساطة روسية، يؤكد أن التأثير الروسي على قسد يفوق التأثير الأمريكي. وأشار إلى أن الدور الروسي في سوريا شرعي وقانوني، بخلاف الدور الأمريكي غير الشرعي. وأكد أن روسيا، بصفتها دولة عظمى، قادرة على الحوار مع جميع الأطراف، في حين تدعم واشنطن تنظيم داعش وقسد بحكم الأمر الواقع، مما يمنح روسيا ميزة استراتيجية في المنطقة.
أما بخصوص الدور الإيراني في سوريا، شدد يوسف على أن إيران موجودة بقوة في المنطقة، وأنها لن تنسحب، موضحاً أن التنسيق بين إيران وسوريا مستمر، وأن رأي الدولة السورية هو الأساس في كل ما يجري ميدانياً وسياسياً. وبالنسبة للتراجع الأمريكي في شرق سوريا، أشار يوسف إلى أن الولايات المتحدة ما زالت موجودة، وستواصل تعزيز تواجدها سواء بالأسلحة أو بالجنود، لكن التغيرات الأخيرة، مثل عدم تدخلها لنصرة قسد ضد العشائر العربية في ريف دير الزور الشرقي، ودخول روسيا على الخط، تشير إلى تراجع أمريكي وتقدم روسي. هذا التراجع الأمريكي، كما يراه يوسف، ليس خطوة منفردة، بل سيتبعه خطوات أخرى، وهو رسالة واضحة للأمريكيين بأن وجودهم العسكري وقواعدهم باتت تحت أنظار القوى المناهضة لهم.
وتطرق يوسف إلى الدور التركي في المنطقة، قائلاً إن تركيا تدرك تراجع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وأن مستقبلها يكمن في الفضاء الأوراسي وليس الأطلسي. وأضاف أن سياسات تركيا ما زالت مرتبطة بالغرب، لكن أنقرة بدأت بالتراجع خطوة خطوة، وهو ما يتضح من خلال خطوات التقارب مع دمشق. واعتبر يوسف أن تصريحات وزير الدفاع التركي الأخيرة حول وضع شروط لتحسين العلاقات بين البلدين جاءت خارج السياق، وتعكس السياسة التقليدية لتركيا أكثر من الواقع الجديد على الأرض.
وأشار يوسف إلى أن أحد أبرز مؤشرات التقارب بين دمشق وأنقرة كان فتح نقطة التواجد الروسي السوري في عين العرب بتفاهم مع تركيا. واعتبر ذلك تحولاً كبيراً، مشيراً إلى أن هذه القاعدة التي تقع على الحدود السورية التركية وخلف مواقع الفصائل والقوات التركية، تؤكد أن تركيا بدأت فعلياً في الانسحاب، وهي تفكك معداتها العسكرية وتعيدها إلى الداخل التركي. كما كشف عن معلومات حول تسليم تركيا مواقع تواجد المجموعات الإرهابية، معرباً عن اعتقاده بأن المستقبل القريب سيشهد نتائج ملموسة على صعيد العلاقات بين دمشق وأنقرة.