في حوار موسع مع أحمد يوسف، تناول المحلل السياسي خلال حديث مع شبكة شام نيوز إنفو على إذاعة ميلودي إف إم الهجوم الإرهابي الأخير الذي شنته القوات الأوكرانية على كورسك الروسية، والذي أثار ردود فعل واسعة في الأوساط العسكرية والسياسية. اعتبر يوسف أن هذا الخرق الأوكراني، رغم أنه قد أثر على المعنويات الروسية، فإنه لا يحمل تأثيرا كبيرا على المسار العام للقتال على الجبهات الأهم. فالهجوم الأوكراني اختار منطقة رخوة استراتيجيا، لا تغير من وقائع المعركة بشكل كبير، لكنه حقق نصرا إعلاميا، وهو ما يعكس استراتيجيات سبق وأن جربت خلال العدوان على سوريا.
يبدو أن التحركات الأوكرانية هذه تهدف بشكل أساسي إلى خلق صورة مضللة تفيد بأن روسيا تخسر الحرب، وهي تكتيكات معروفة في الحروب الإعلامية. وأشار يوسف إلى أن وزير الدفاع الروسي أكد على ضرورة تجاوز أي نقاط ضعف محتملة في صفوف الجيش الروسي، مضيفا أن هذه الهجمات الأوكرانية لا تمثل تحولا استراتيجيا حقيقيا.
وفي تحذير صارخ، أبدى يوسف قلقه من تصعيد محتمل قد يشمل قصف المحطات النووية، خاصة محطة زابورجيا، وهي خطوة قد تتهم فيها روسيا زورا من قبل حلف الناتو. ورغم أن مثل هذا السيناريو قد يؤدي إلى أضرار كارثية، إلا أن يوسف لم يستبعد أن يلجأ الناتو إلى خيارات تدميرية أخرى، حتى وإن كان المتضرر الأول سيكون حلفاء أمريكا في أوروبا. كما تحدث عن إمكانية العودة إلى خطة “مارشال” جديدة، ولكن في سياق مختلف تماما عن تلك التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
وفي سياق آخر، تحدث يوسف عن تبعية أوروبا للولايات المتحدة، مشيرا إلى أن السياسة لا تُبنى على الأحلام. وأوضح أنه لو تركت ألمانيا لتختار، لفضلت إقامة علاقات قوية مع روسيا، نظرا للمصالح الاقتصادية الكبيرة التي تربط بين البلدين، بدءا من النفط والغاز الروسي الذي يشكل شريان الحياة للمعامل الألمانية، وصولا إلى المواد الخام والمعادن الروسية التي تغذي جزءا كبيرا من الاقتصاد الألماني.
ومع ذلك، يرتبط الأوروبيون بشكل وثيق بالمنظومة الأمريكية، وهذا الارتباط العضوي يصعب فصمه بين ليلة وضحاها. تحدث يوسف عن التحولات السياسية الضرورية لفك هذا الارتباط، لكنه أشار إلى أن هذه التحولات تحتاج إلى وقت طويل وإلى إنتاج حكومات جديدة تنبثق من القوى القومية والوطنية المعادية للاتحاد الأوروبي والعلاقات مع الولايات المتحدة. هذه القوى الصاعدة لم تسيطر بعد على القارة الأوروبية، لكنها في تقدم مستمر، وربما تقود في المستقبل إلى انقلابات عسكرية، سواء في أوروبا أو حتى في الولايات المتحدة.
يوسف أكد أيضا أن التصعيد المستمر مع روسيا، وخاصة من قبل الولايات المتحدة، يعكس رغبة أمريكية في إعادة السيطرة على أوروبا والاقتصاد الأوروبي. وأشار إلى أن التوازنات الدولية الحديثة، التي شهدت نوعا من التعاون بين أوروبا والصين، خاصة في المجال الاقتصادي، أثارت قلق الولايات المتحدة. هذا التعاون الأوروبي مع الصين، بالإضافة إلى التحالف المتنامي بين روسيا وإيران، دفع الولايات المتحدة إلى إشعال فتيل الحرب الأوكرانية بهدف قطع هذه الروابط مع موسكو.
ولو ترك الألمان لاختيار مصيرهم، كما يرى يوسف، لاختاروا تعزيز علاقاتهم مع روسيا، خاصة من حيث الطاقة والمواد الخام التي تحتاجها ألمانيا للحفاظ على صناعاتها. ومع ارتفاع أسعار الغاز تسعة أضعاف في ألمانيا وبعض الدول الأوروبية، تتضح أكثر فأكثر مصلحة هذه الدول في إقامة علاقات مستقرة مع روسيا. لكن هذا الأمر يصطدم بالارتباط الوثيق مع الولايات المتحدة، الذي يصعب فكه بسهولة.
واختتم أحمد يوسف حديثه بالإشارة إلى أن الرد الروسي على هذا الخرق الأوكراني لن يكون محدودا فقط على الجبهة الأوكرانية، بل سيكون له تداعيات على مناطق أخرى، بما في ذلك منطقتنا. وهذا يفتح الباب أمام احتمالات واسعة من التصعيد والتغيير في موازين القوى الدولية.