بعد فشل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في تحقيق أهداف العدوان على قطاع غزة وارتكاب 3500 مجزرة ضد أبناء القطاع، فإن احتمالات توسيع الحرب أصبحت تتزايد في ظل انقسام داخلي إسرائيلي وعجز وإرباك أمريكي وضعف في اتخاذ القرار.
جولة المفاوضات في الدوحة، التي طبلت وزمرت لها الولايات المتحدة وقامت بحملة إعلامية واسعة للترويج لها، انتهت بمشاركة رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي ديفيد بارنيع ونظيريه من الولايات المتحدة ومصر ويليام بيرنز وعباس كامل، ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، انتهت دون أن تحقق أي نتائج ملموسة، وحتى أن هذه الجولة التي رفضت حماس المشاركة فيها تراجعت خطوة إلى الوراء جراء الشروط الإسرائيلية الجديدة.
وفي محاولة للتغطية على الفشل في الدوحة، سارعت واشنطن للإعلان عن جولة جديدة من المفاوضات في القاهرة الأسبوع القادم، كما أعلنت عن زيارة يقوم بها وزير الخارجية أنطوني بلينكن يومي 18-19 آب الجاري إلى كيان الاحتلال، في مسعى ليس لوقف إطلاق النار وإنما لمنع رد إيران وتأخير الهجوم الإيراني المرتقب على إسرائيل. فعشرة أشهر كانت كافية ليقتنع القاصي والداني أن مسألة وقف إطلاق النار أصبحت بالنسبة لنتنياهو دون وجود ضمانات أمريكية بمثابة انتحار سياسي. ومن هنا جاء إعلان الجيش الإسرائيلي عن وقف عملياته في قطاع غزة من خارج المفاوضات، حيث تم إعلام المستوى السياسي من قبل الأجهزة الأمنية بأن عمليات الجيش استنفدت كل أهدافها. وهذا الإعلان جاء بالتوازي مع وصول بلينكن إلى المنطقة، وذلك في محاولة لتسجيل نقاط مجانية ضد إيران والمقاومة وتوجيه رسالة يظن الأمريكي والإسرائيلي أنها محرجة لطهران، مفادها أنه في ظل وجود وزير خارجية أمريكا في تل أبيب فإن إيران لن تهاجم كيان الاحتلال طالما أن الوزير بلينكن موجود في المنطقة.
هي حملة إعلامية تقودها إدارة بايدن مليئة بالخداع والكذب، هدفها حماية إسرائيل من الهجوم المرتقب بانتظار نقل المفاوضات إلى القاهرة في محاولة لتوجيه اللوم إلى إيران وحزب الله إذا ما قاما بالهجوم على إسرائيل. وهذا لن يحصل، لأن طهران أكدت مرارًا على لسان كبار المسؤولين فيها أنه لا علاقة لردها على اغتيال هنية في طهران بموضوع المفاوضات التي تديرها واشنطن حول غزة.
في هذا الوقت، لا تزال حركة حماس على موقفها وهي تغير من تكتيكاتها بعد اختيار يحيى السنوار لرئاستها. وأعلنت الحركة رفضها المشاركة في المفاوضات وأكدت تمسكها باتفاق الثاني من تموز الماضي، والذي حظي بموافقة مجلس الأمن الدولي. وكان عبارة عن خطة قدمها جو بايدن قبل أن يتراجع عنها بسبب عجزه ورفض نتنياهو وقف إطلاق النار. وفي مقابل رفض حماس للمفاوضات بالشروط الإسرائيلية التعجيزية، وجهت المقاومة اللبنانية رسالة جديدة مختلفة هذه المرة عن رسالة الهدهد إلى كيان الاحتلال عشية فشل المفاوضات تحت عنوان “العماد أربعة”، أدخلت بموجبها كيان الاحتلال الإسرائيلي ومعلقيه وقادته في حالة حيرة وإرباك من قدرات المقاومة العسكرية وتحصيناتها التي تحميها من أي مغامرة إسرائيلية كانت الطبقة الحاكمة في تل أبيب تتحدث عنها على شكل ضربات استباقية ضد المقاومة. ويظهر الفيديو التجهيزات والقدرات العسكرية الضخمة للمقاومة.
الفيديو الذي يحاكي أوامر مباشرة من الأمين العام لحزب الله لعناصر المقاومة، والتي ستقوم برد مزلزل إذا ردت إسرائيل على الرد المرتقب. ومع فشل جولة المفاوضات في الدوحة، فإن الولايات المتحدة ربما تزيد الضغوط من أجل إبرام اتفاق لأنها أصبحت تتخوف أكثر من أي وقت مضى من التقارب الروسي والصيني مع إيران، وعلى وجه الخصوص بعد تحذير الرئيس بوتين من أن بلاده ستزود الدول المناهضة لأمريكا بالسلاح كما يزود الغرب أوكرانيا بالأسلحة لمحاربة روسيا.
ويبدو أن الأحداث التي شهدتها الساحة الروسية والتهديد بقصف المنشآت النووية الروسية بعد الهجوم الإرهابي الواسع على كورسك، هذه الأحداث أفرزت موقفا روسيا أكثر حزما ووضوحا، الأمر الذي يزيد من المخاوف الأمريكية خاصة بعد زيارة رئيس الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو إلى إيران. فقد بات واضحا أن واشنطن تستعجل وقف إطلاق النار خوفا من اتساع المواجهة في ظل التنسيق والتعاون الروسي الإيراني، في وقت تترقب المنطقة والعالم هجوما إيرانيا واسعا على كيان الاحتلال للثأر لدماء هنية.
الموقف الروسي الجديد وتبني المقاومة سياسيا وعسكريا ليس بغريب، فموسكو كانت دائمًا تدعم القضية الفلسطينية. ورغم علاقاتها الطبيعية مع إسرائيل، إلا أن مواقف الأخيرة ومواقف الولايات المتحدة من الحرب في أوكرانيا استوجبت موقفا مماثلا وفق مبدأ “العين بالعين والسن بالسن”. فقد عبرت موسكو خلال زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخرًا إلى موسكو عن موقفها. وقال عباس إن أحدا لا يستطيع أن يمنع روسيا من لعب دور رئيسي في حل القضية الفلسطينية في إشارة إلى الولايات المتحدة التي ترفض إشراك روسيا في المفاوضات وتسعى للتفرد في الحل لخدمة إسرائيل ومشروعها الاستيطاني.
وخلال عقود من عمر القضية الفلسطينية، حافظت روسيا على موقف عادل وقانوني ومتوازن وفعال حاز على احترام دولي وعلى احترام دول المنطقة. وأدانت مرات عديدة وبشدة مجازر الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان واقتحامات المسجد الأقصى ودعت إلى وقف إطلاق النار، كما حذرت مرارا من أن استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة سيؤدي إلى نتائج وخيمة وسيعرض الأمن والاستقرار في العالم للخطر.
مراقبون وجدوا أن التطورات في مقاطعة كورسك ستؤدي إلى تغييرات واسعة في الموقف الروسي، وربما ستقوم موسكو بتزويد إيران بكل ما تطلبه من أسلحة في حال بقي الغرب مصرا على تزويد أوكرانيا بالأسلحة لقتال الجيش الروسي.
هي معركة تخوضها روسيا مع الصين بشكل غير مباشر إلى جانب قوى المقاومة، وإن كانت لا تظهر في الصورة بشكل مباشر. ولكن في نهاية المطاف، فإن الصراع أصبح حادا وثنائيا بين قوى العدوان والإرهاب بقيادة أمريكا وإسرائيل والناتو، وبين قوى المقاومة والسلام بقيادة روسيا والصين وإيران. وربما ستترتب على نتائج الصراع في أوكرانيا وغزة نتائج كبيرة على مستوى النظام العالمي الجديد وشكله والدور الذي تلعبه كل دولة من دوله. فالصراع لم يعد محصورا بدول المنطقة وإنما يمتد ليشمل دولا عديدة.
بانتظار الرد الإيراني على اغتيال هنية، فإن المنطقة ستبقى على صفيح ساخن، تموج هبوطا وصعودا، وربما يتحول الرد إلى حرب كبرى في حال قامت حكومة نتنياهو بالرد على الرد، وهذا يترتب عليه مسؤوليات تتحملها ليس فقط نتنياهو وحكومته، بل أيضا إدارة بايدن العاجزة.