خلافات واسعة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول أوكرانيا وغزة اللتين تحضران بقوة في الحملات الانتخابية الأمريكية.. وترامب يتهم كامالا هاريس بالماركسية والكراهية لإسرائيل وقيادة العالم إلى حرب ثالثة… وهي تتهمه بالرجعية والتخلف وقيادة أمريكا إلى الوراء.
لم تحضر السياسة الخارجية الأمريكية في أي انتخابات أمريكية رئاسية سابقة كما تحضر اليوم في الانتخابات المقررة في الخامس من تشرين الثاني القادم، وذلك بسبب التباينات الكبيرة بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس التي ألقت خطابا خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي مختلفا ومعاكسا تماما على صعيد السياستين الخارجية والداخلية مع ما يطرحه الحزب الجمهوري المنافس. ومع أن الناخب الأمريكي كما يروج الإعلام الأمريكي نفسه لا يهتم بالشؤون الخارجية إلا أن دقة وخطورة الوضع في أوكرانيا والحرب في غزة وتأثيرهما على النفوذ والدور الأمريكي على الساحة الدولية يفرض على الناخب الأمريكي وعلى الساسة الأمريكيين والقائمين على الحملات الانتخابية طرح التساؤلات عن اتساع وتزايد الاهتمام الشعبي بالأحداث الدولية، خصوصا وأن التظاهرات بشأن غزة ومجازر الاحتلال التي ارتكبتها حكومة نتنياهو لم تترك مجالا للمواقف الحيادية ولأنصاف الحلول. فارتكاب أكثر من 3500 مجزرة في قطاع غزة، معظم ضحاياها من الأطفال، أثار موجات من الغضب العالمي، وكانت مدينة شيكاغو الأمريكية تحتضن تظاهرات حاشدة خلال انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي اختار كامالا هاريس مرشحته للانتخابات، طالبت إدارة بايدن – هاريس بوقف تسليح إسرائيل وطالب المتظاهرون بإنهاء الحرب على غزة ورددوا شعارات تعبر عن الخيبة من نتائج الحزب الديمقراطي ومحتوى الخطابات الداعمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وطبعا قامت الشرطة الأمريكية بقمع المتظاهرين والاعتداء عليهم بالضرب كالمعتاد.
كما أن التطورات في أوكرانيا بعد الهجوم الإرهابي الذي شنته القوات الأوكرانية على كورسك الروسية بدعم وإشراف من الاستخبارات الأمريكية والبريطانية سيكون له بالغ الأثر على الانتخابات الأمريكية القادمة، فالهجوم وضع العالم بأسره أمام تحديات خطيرة وبخاصة الولايات المتحدة المنخرطة في هذا الصراع من خلال دعمها الكبير لنظام زيلينسكي ماليا وتسليحيا والذي يدفع بتصرفاته العالم إلى حرب عالمية ثالثة ويرفض وقف إطلاق النار. إلا أن الرئيس بوتين نجح دائما في كل قراراته وخطواته واستطاع بقيادته الفذة والهادئة والقوية وطريقة تعامله مع الأحداث الكبيرة والتاريخية كما لو أنه يكتب التاريخ مع القوات الجيوفضائية الروسية بيديه، استطاع إحباط المخطط الأمريكي وحافظ على هيبة روسيا التي تنتصر في أوكرانيا كما انتصرت في مواجهة الإرهاب في سورية. وتأتي زيارة الرئيس بوتين للشيشان لأول مرة منذ ثلاثة عشر عاما ولقائه بالرئيس رمضان قديروف لتأكيد عدم قدرة الغرب على اللعب بمكونات المجتمع الروسي الصلبة ووحدته الوطنية. وكانت هذه الزيارة ردا مباشرا على هجوم كورسك، وبخاصة أن الرئيس الشيشاني يعد قوات كبيرة وخاصة من أجل تحرير كورسك مع الجيش الروسي.
وبذلك تخيب آمال أعداء روسيا دائما منذ تولي الرئيس بوتين السلطة، ورغم خطورة الهجوم على كورسك بكونه انتهاكا للخطوط الحمراء وللسيادة الروسية، إلا أن روسيا تحضر وتستعد لترد الصاع صاعين وتعمل لتحويل الانتصار الوهمي الذي يتخيله زيلينسكي وداعموه إلى هزيمة مدوية تتردد أصداؤها في أرجاء الولايات المتحدة على وجه الخصوص وفي أوروبا والعالم. فمقاطعة كورسك الروسية هي رمز وعنوان للسيادة الروسية والقوة الروسية وستكون عنصرا هاما في الانتخابات الأمريكية القادمة، وستنعكس نتائج المعركة في كورسك على هذه الانتخابات لأن كامالا هاريس التقت زيلينسكي وأكدت دعمها لنظامه النازي وهي تأمل أن يساعد الهجوم على كورسك حملتها الانتخابية مع أن الفوارق واسعة بين مواقف الحزبين الجمهوري والديمقراطي. فإدارة بايدن تقول إنها تريد هزيمة بوتين في هذه الحرب وتعتبر الهجوم على كورسك مكسبا انتخابيا لحملة كامالا هاريس ورسالة إلى الناخب الأمريكي بأن الأموال التي تدفعها الولايات المتحدة إلى نظام كييف لن تذهب سدى وإنما تنتج وتثمر بدليل أن القوات الأوكرانية تحتل أراض واسعة من روسيا. وطبعًا هذا الواقع في حال استمراره حتى موعد الانتخابات الأمريكية في الخامس من تشرين الثاني القادم ربما يمنح الحزب الديمقراطي أصواتا إضافية. أما في حال تغير الوضع، وهو ما يحصل اليوم على الأرض، فالجيش الروسي وقوات (أحمد) تقومان بمحاصرة واستنزاف القوات الأوكرانية وذلك بعد أن استوعب الروس الهجوم الأوكراني في السادس من تموز الجاري، وبدأ الجيش الروسي بالتضييق على هذه القوات في سهول كورسك ومهاجمتها بمختلف الأسلحة القوية وقتل عناصرها والمشاركين فيها من الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والمرتزقة الفرنسيين والبولنديين. فإذا ما تحررت كورسك، وربما يهاجم الجيش الروسي العاصمة كييف ردا على احتلال مناطق في كورسك الروسية، وبذلك يكون بايدن وزيلينسكي قد اشتريا الهزيمة لنفسيهما. كما أن الهجوم الإرهابي على أراض دولة عظمى سيجلب النقمة على إدارة بايدن – هاريس التي تواجه انتقادات وخلافات وأزمات داخلية عميقة وتحاول تعويض هذه الإخفاقات بإشعال الحروب وتأجيج الصراعات عبر العالم.
ويمكن القول إن العدوان على غزة والهجوم الإرهابي على كورسك سيكون لهما رصيد قوي في الانتخابات الأمريكية القادمة رغم أن الناخب الأمريكي يهتم بالوضع الداخلي ولا تعنيه الصراعات الدولية كثيرا إلا أن رمزية كورسك ورمزية غزة أيضا واحتدام الصراع بين إيران وروسيا والصين من جهة وبين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة ثانية على مناطق النفوذ في العالم وعلى مناطق الثروة وطرق التجارة الدولية والطاقة ستكون عاملا يجذب الاهتمام لدى الناخب الأمريكي. فالحرب الباردة لم تكن بهذه الحدة وهذا المستوى في أي وقت من الأوقات، وهذا ما كشفته التظاهرات الغاضبة ضد إدارة بايدن التي تدعم حكومة نتنياهو ونظام زيلينسكي، حيث طالب المتظاهرون في شيكاغو خلال انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي بوقف إطلاق النار في غزة ومحاكمة نتنياهو، في وقت أعلنت فيه كامالا هاريس دعمها الكامل لأمن إسرائيل وتعهدت بضمان أمن كيان الاحتلال. اتهمت ترامب بإعادة أمريكا إلى الوراء فجاء الرد سريعا إذ اتهمها المرشح الجمهوري دونالد ترامب بأنها ماركسية وأنها تقود البلاد إلى حرب عالمية ثالثة وبأنها تكره إسرائيل، مع أن إدارة بايدن – هاريس قدمت لإسرائيل من الأسلحة والأموال ما لم تقدمه أي إدارة سابقة.
ولا يخفى على أحد أن نتنياهو يريد مواصلة العدوان حتى انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة، ويأمل أن يكون ترامب بطبيعة الحال لأن ترامب يرفض وقف إطلاق النار في غزة ويشجع نتنياهو على رفض الانسحاب من غزة قبل القضاء على حماس، فيما لا تزال الجهود التي تزعم إدارة بايدن أنها تقوم بها لوقف إطلاق النار تراوح مكانها دون جدوى. فالمجازر مستمرة ونتنياهو استغل جولة وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن لينسف المفاوضات من جذورها بعد أن رفض العودة إلى خطة بايدن التي أقرها مجلس الأمن ووافقت عليها حماس في الثاني من تموز الماضي والتي تقضي بتبادل الأسرى والانسحاب الإسرائيلي الكامل ووقف إطلاق النار. إلا أن إدارة بايدن تراجعت وأعلنت تأييدها للموقف الإسرائيلي المتعنت الرافض للانسحاب من معبر رفح ومحور فيلاديلفيا.
في هذه الأثناء، دعت كامالا هاريس إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وذلك على إيقاع الحشود الأمريكية الضخمة في المنطقة للدفاع عن إسرائيل ضد أي هجوم إيراني أو هجوم من حزب الله. واعتبرت هاريس في ختام مؤتمر الحزب الديمقراطي أن “الوقت قد حان لإتمام صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة”. وأكدت أن الولايات المتحدة ستدافع عن إسرائيل ضد أي هجوم إيراني.
مهما كانت نتائج الانتخابات الأمريكية فإن أمريكا ستبقى هي أمريكا ولن تتغير سياساتها المزدوجة والمضللة والمخادعة والتي تكشفت أكثر بعد عملية طوفان الأقصى وبعد الجولة التاسعة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن إلى المنطقة والتي عززت الشكوك في إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة بعد أن تراجعت إدارة بايدن عن الخطة. وهي الإدارة التي تمارس هواية واحدة فقط وهي إشعال الحروب وافتعال الأزمات عبر العالم ومنع أي كان من محاولة إطفائها.