فيما يتعلق بالوضع القانوني لتوصيف الحرب في أوكرانيا، فإن المقاربات الروسية والأمريكية تختلف جذريا. روسيا، التي تصف عمليتها العسكرية في أوكرانيا بأنها “عملية خاصة”، ترى أنها تتصرف ضمن إطار قانوني يتوافق مع مصالحها القومية وحماية أمنها القومي. من ناحية أخرى، تصف الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون هذه العملية بأنها “عدوان” يستهدف سيادة أوكرانيا واستقرار النظام الدولي.
بحسب الأستاذ نعيم أقبيق، الخبير في القانون الدولي، الذي تحدث لشبكة شام نيوز إنفو على هواء إذاعة ميلودي إف إم، فإن هذا الاختلاف في التوصيف ليس مجرد تلاعب بالألفاظ، بل هو انعكاس لأزمة أعمق تتعلق بالصراع بين قانون القوة وقوة القانون. روسيا، بوصفها دولة عظمى وعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، تحمل لواء الدفاع عن سيادة القانون الدولي وتدعو إلى إنهاء عصر “قانون القوة”، الذي ساد النظام العالمي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.
ولكن السؤال الذي يطرحه أقبيق هو: هل أفعال روسيا تتماشى مع هذه الدعوة؟ عندما نعود إلى تفكك الاتحاد السوفييتي، نجد أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) قد التزم بعدم التوسع شرقا تجاه الحدود الروسية، وهو اتفاق ضمنه الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف. إلا أننا اليوم نشهد توسع الناتو ليشمل وسط وشرق أوروبا، وهو ما تراه روسيا تهديدا مباشرا لأمنها القومي.
وفي هذا السياق، يشير أقبيق إلى أن أوكرانيا، بدعوتها للانضمام إلى الناتو، تسعى إلى تغيير التوازنات الأمنية في المنطقة. وهذا يذكرنا بأزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، عندما هدد الرئيس الأمريكي جون كينيدي بعمل عسكري إذا لم تسحب روسيا صواريخها من كوبا. واليوم، نجد أن واشنطن تسعى لنشر صواريخ متوسطة المدى في أوكرانيا، رغم أنها التزمت سابقا، عام 1987، بعدم نشر هذا النوع من الصواريخ في أوروبا بعد اتفاقيات متعددة لتقليص التسلح النووي بين واشنطن وموسكو.
يرى أقبيق أن إحياء هذا الموضوع يثير تساؤلات حول نوايا الغرب وما إذا كانت هذه التحركات تهدف إلى تطويق روسيا والصين، كما يشير إلى أن اللعبة الدولية باتت مكشوفة. ففي حين تدعي الدول الغربية أنها تعمل من أجل تعزيز الاستقرار العالمي، فإن سياساتها توسعية تستهدف الضغط على القوى الكبرى الأخرى، ما يهدد بإشعال نزاعات جديدة بدلا من حل الأزمات القائمة.
ختاما، يشدد أقبيق على أن العالم لا يزال يعيش تحت قانون القوة، رغم الدعوات المتزايدة لقوة القانون. والصراع الحالي في أوكرانيا ليس إلا تعبيرا عن هذا التناقض الذي يهيمن على النظام الدولي، حيث تحاول كل دولة فرض مصالحها تحت غطاء الشرعية الدولية.