الصراع الداخلي في إسرائيل، والذي يعاني منه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لا يعكس اختلافا في الأهداف بقدر ما يعكس تباينا في الأساليب لتحقيق هذه الأهداف. هذا ما أكده الأستاذ حسام طالب، الباحث في الشؤون السياسية، في حديث خاص مع شبكة شام نيوز إنفو عبر إذاعة ميلودي إف إم. يبدو أن الانقسام في الداخل الإسرائيلي، الذي يعاني منه نتنياهو، يرتبط أساسا بالأسلوب والطريقة، وليس بالجوهر. يوضح طالب أنه منذ أيام رابين، الذي لم يكن أقل إجراما من نتنياهو، كانت السياسات القمعية في الضفة الغربية متبعة دون أن تثير نفس الجدل الحاد. زعماء المعارضة اليوم، مثل يائير لابيد، يشاركون في تنفيذ سياسات قمعية مشابهة، لكنهم يتجنبون التعبيرات المتطرفة التي يستخدمها وزراء الحكومة الحالية، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
يشير طالب إلى أن الانقسام الإسرائيلي يتعلق بالأسلوب، حيث يعتقد أن جزءا من القيادة الإسرائيلية يرغب في تحقيق أهدافها بأقل الخسائر الممكنة، بينما يفضل آخرون تكبد المزيد من الخسائر لتحقيق نفس الأهداف. ويضيف أن هناك توافقا على الأهداف بين مختلف الأطياف السياسية في إسرائيل، رغم تباين أساليبهم. فكما كان الحال مع الرئيسين الأمريكيين السابقين دونالد ترامب وجو بايدن، حيث استخدم الأول الحصار الاقتصادي بينما يستخدم الأخير الدعم العسكري لتحقيق الأهداف ذاتها، كذلك الحال في الداخل الإسرائيلي.
يتابع طالب النقاش الدائر حول التصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية، موضحا أنه ينبع من اعتراف الإسرائيليين بأن هذه الحرب مكلفة. بينما يقر المتطرفون في الحكومة بأن التحريض على الانتفاضة الفلسطينية يخدم أهدافهم، يحذر خبراء الأمن الإسرائيلي، ومن بينهم مدير الشاباك روين بار، من أن استمرار القمع قد يؤدي إلى نتائج عكسية. ينقل طالب عن بار تحذيره من أن إرهاب المستوطنين قد يتحول من الفلسطينيين إلى الإسرائيليين أنفسهم، مما يعكس قلقا متزايدا من أن السياسات الحالية قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الداخلي.
على مدى الشهور الماضية، فشلت إسرائيل في تهجير سكان غزة كما كانت تخطط. يشير طالب إلى أنه رغم القتل والتدمير، بقيت الغالبية العظمى من الفلسطينيين داخل غزة. ويضيف أن هذا الفشل الاستراتيجي يعكس أزمة المشروع الصهيوني، الذي لم ينجح في تحقيق أهدافه رغم استخدام كافة الوسائل الممكنة، من القصف الجوي إلى التهجير القسري. يتابع طالب بالقول إن المشروع الصهيوني في غزة قد فشل وسيواجه مصيراً مشابهاً في الضفة الغربية، حيث لن يتمكن الإسرائيليون من فرض إرادتهم على الفلسطينيين رغم تصاعد العمليات العسكرية.
يشير طالب إلى أن المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، التي أصبحت أكثر تنظيما وتسليحا، تفرض واقعا جديدا على الأرض. ففي كل عملية عسكرية إسرائيلية، يقابل الفلسطينيون بقوة وتصعيد، مما يثير الشكوك حول قدرة إسرائيل على السيطرة على الوضع دون تكبد المزيد من الخسائر. ويوضح طالب أن القصف الإسرائيلي لم يعد يقتصر على ضربات محدودة، بل أصبح يعتمد بشكل متزايد على العمليات العسكرية الكبرى، مثلما يحدث في جنين وطولكرم. ومع ذلك، ينجح المقاومون الفلسطينيون في إلحاق خسائر بالقوات الإسرائيلية، مما يثير المزيد من التساؤلات حول فعالية الاستراتيجية الإسرائيلية.
في ظل هذا الوضع المتأزم، يقول طالب إن إسرائيل تعيش عقدة “القد الثامن”، التي تشير إلى خوف تاريخي من انهيار مشروعها في الذكرى الثمانين لتأسيسها. هذا الخوف، الذي يرافقه شعور بالاستعجال لتحقيق الأهداف، دفع المتطرفين إلى واجهة الحكومة. يتابع طالب أن الولايات المتحدة، التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية، تسمح بتمدد هذا التطرف، مما يضع العالم بأسره أمام تحديات جديدة. هذا التحالف بين الصهيونية العالمية والحكومات الغربية، بما فيها الدول الإسلامية التي تدعم المشروع الإسرائيلي، يشير إلى تعقيدات الصراع التي تتجاوز حدود الدين والقومية.
في النهاية، يؤكد طالب أن إسرائيل أمام تحدٍ كبير يتمثل في القدرة على الاستمرار في تنفيذ مشروعها الصهيوني دون الانهيار تحت وطأة التكاليف المتزايدة، سواء كانت مادية أو بشرية. ويختم طالب بالقول إن القمع الإسرائيلي للفلسطينيين لم يعد بدون تكلفة، والعالم يشهد تصاعدا في المقاومة التي تقاوم هذا المشروع بكل السبل المتاحة، مما يفرض على إسرائيل إعادة التفكير في استراتيجيتها المستقبلية.