خلال مقابلة أجراها الدكتور سمير أبو صالح مع شبكة شام نيوز إنفو عبر إذاعة ميلودي إف إم، سلط أبو صالح الضوء على التطورات الأخيرة في العلاقات السورية التركية، مؤكداً على الأهمية الكبيرة لهذه العلاقات وتأثيرها في مجمل المنطقة. تناول أبو صالح الدور التركي السلبي في الحرب الإرهابية التي تعرضت لها سوريا، مشيراً إلى أن تركيا كانت ولا تزال جزءا من مؤامرة دولية استهدفت سوريا كدولة وتاريخ وحضارة، وأن الخيانة التركية تجسدت بفتح أبوابها للإرهاب الدولي على حساب علاقتها التاريخية مع سوريا.
أوضح الدكتور سمير أن ما جرى بين البلدين تجاوز حدود التنافس الجيوسياسي التقليدي، ووصل إلى مستوى خيانة الثقة التي بنيت خلال سنوات من التعاون المشترك، حيث كانت العلاقات بين دمشق وأنقرة في ذروتها قبل الحرب. فقد أشار إلى أن الرئيس أردوغان كان يزور دمشق بشكل متكرر، والرئيس الأسد كان يستضيفه بصفته صديقا، وليس مجرد رئيس دولة. إلا أن الانقلاب الكبير في السياسة التركية، الذي تضمن دعم الجماعات الإرهابية وفتح حدودها للمرتزقة الذين دمروا سوريا، مثل طعنة غادرة لكافة أسس حسن الجوار.
أبو صالح أكد أن تصنيف تركيا كدولة معادية لم يكن قرارا عبثيا بل جاء نتيجة أفعالها التي شملت سرقة الموارد السورية مثل المعامل في حلب وقطع المياه. ورغم ذلك، أشار إلى أن القيادة السورية، ورغم كل هذه الخيانات، لم تتبنى موقفا عدائيا مطلقا تجاه الشعب التركي، مؤكداً أن السوريين يدركون أن الموقف التركي هو سياسي أكثر منه شعبي، وأن تركيا لا تزال جارة، وأن المصالحة قد تكون الطريق الأفضل لكلا الشعبين.
وفي إشارة إلى الجهود الدولية لدفع نحو المصالحة، أشار الدكتور سمير إلى التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التي أكد فيها استعداد تركيا للانسحاب من سوريا وإنهاء الاحتلال. وأضاف أبو صالح أن هذه التصريحات تعكس فهما روسيا دقيقا لعمق الأزمة السورية التركية، وأن الضمانات المطلوبة لسحب القوات التركية ليست مطلبا سوريا بحتا، بل مطلب يضمنه الوسيط الروسي والإيراني، اللذان يتمتعان بعلاقات قوية مع كلا البلدين.
ورغم ذلك، شدد أبو صالح على أن الموقف السوري لم يتراجع كما يعتقد البعض، حيث لم يطالب الجانب السوري بتقديم تنازلات، بل طالب بضمانات دولية واضحة لإنهاء الاحتلال التركي. وأكد أن التاريخ شاهد على أن الضمانات تأتي عادة من أطراف محايدة أو وسيطة، مثلما حدث في الحرب العالمية الثانية مع مجلس الأمن. وهنا، يأتي الدور الروسي كوسيط رئيسي في هذه الأزمة، خصوصا بعد التصريحات الواضحة من الوزير لافروف حول التزام تركيا بالانسحاب.
فيما يتعلق بمستقبل العلاقات بين الرئيسين الأسد وأردوغان، أشار أبو صالح إلى أن اللقاء بينهما قد لا يكون أولوية في هذه المرحلة، وأن الأهم هو إعادة بناء الثقة والبحث عن مصالح مشتركة بين البلدين. وأوضح أن العلاقات بين سوريا وتركيا تمتد لأبعد من حدود الدولة، بل تشمل روابط اجتماعية وثقافية واقتصادية، حيث أن هناك عائلات سورية من أصول تركية والعكس صحيح، وهو ما يعزز من ضرورة إعادة بناء هذه العلاقات على أسس متينة تخدم مصلحة الشعبين وليس الأنظمة السياسية فقط.
كما تناول الدكتور سمير الدور التركي المتغير في المنطقة، مشيرا إلى أن المصالحة مع سوريا قد تساهم في إخراج تركيا من دائرة النفوذ الأمريكي التي لطالما لعبت دورا محوريا في تفاقم الأزمة السورية. واعتبر أن تراجع الدور التركي في تنفيذ الأجندات الأمريكية سيقود إلى تقليص النفوذ الأمريكي نفسه في المنطقة، لا سيما بعد أن أصبحت تركيا ترى في سوريا بوابة اقتصادية هامة بعد أن أغلقت أمامها الأبواب الأوروبية واليونانية.
وفيما يخص ردود الفعل الأمريكية على هذه التطورات، أشار أبو صالح إلى أن الولايات المتحدة تدرك تماما أن انسحاب تركيا سيشكل بداية النهاية لبقية القوى الأجنبية في سوريا، بما في ذلك القوات الأمريكية. واعتبر أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين التي تؤكد رفض الانسحاب من سوريا تعكس حالة من القلق والتوتر إزاء ما يحدث من تقارب سوري تركي. وأوضح أن هذه التصريحات هي محاولة للضغط على دمشق وموسكو، إلا أن الفشل الأمريكي في أوكرانيا قد يقود إلى تغيير في موقف واشنطن في سوريا.
أبو صالح أشار إلى أن الموقف الأمريكي في سوريا بدأ يتراجع تدريجيا، خاصة بعد فشل المشروع الأمريكي في أوكرانيا، حيث أقر البيت الأبيض بأن روسيا تحقق انتصارات ميدانية في مواجهة القوات الأوكرانية المدعومة من الغرب. وربط بين هذا الفشل وبين احتمالات الانهيار الأمريكي في سوريا، مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية قد تلجأ إلى تقديم تنازلات أو الدخول في مساومات مع روسيا وسوريا للحفاظ على بعض المصالح الاقتصادية في المنطقة.
واختتم الدكتور سمير بالقول إن الوضع الراهن في سوريا يعكس حقيقة أن البلاد، رغم كل التحديات، لا تزال قادرة على استعادة موقعها الإقليمي والدولي. وأكد أن المستقبل يحمل الكثير من الاحتمالات الإيجابية، خاصة في ظل التغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة. المصالحة مع تركيا ستكون، بلا شك، خطوة مهمة نحو كسر الحصار المفروض على سوريا وإعادة بناء العلاقات الإقليمية والدولية بما يخدم مصلحة الشعب السوري.