في حديث لشبكة شام نيوز إنفو على إذاعة ميلودي إف إم، أكد الباحث والمحلل السياسي الدكتور بشار طعمة أن العدوان الإسرائيلي الأخير على مناطق مصياف يمثل حدثاً خطيراً ويشير إلى نوايا إسرائيلية لتوسيع رقعة الحرب في المنطقة. وأشار طعمة إلى أن هذا العدوان يهدف إلى ضرب العمق الاستراتيجي للمقاومة السورية، مشدداً على أن إسرائيل تسعى لنقل المعركة إلى مناطق جديدة بهدف إضعاف جبهات المقاومة الممتدة عبر العراق ولبنان واليمن. وذكر أن واشنطن تعد شريكاً أساسياً في هذا العدوان وليست مجرد داعم لإسرائيل، مما يعكس تعقيد الصراع في المنطقة.
من جانبه، أكد طعمة أن سوريا تبحث عن مواجهة مشروع شامل، وليس مجرد الرد على ضربة عسكرية محددة. ونجحت المقاومة في لجم العدوان الإسرائيلي والأمريكي، مما يعزز من مكانة سوريا كحليف استراتيجي يقدم دعماً سياسياً ولوجستياً كبيراً للمقاومة. وفي هذا السياق، يشير طعمة إلى أن الدولة السورية باتت قادرة على قراءة المشهد بعناية، دون الانجرار إلى حرب يخطط لها العدو، مشيراً إلى أن كل طرف في محور المقاومة يمتلك قراره الخاص.
وتطرق طعمة إلى النجاحات التي تحققت في فلسطين وقطاع غزة، مؤكداً على ضرورة الاستفادة من تلك الإنجازات في تعزيز بنية المقاومة. وأكد أن السؤال الأكثر أهمية هو كيفية استدامة دعم المقاومة في مواجهة الحروب الممنهجة التي تتعرض لها الشعوب المقاومة. وأشار إلى أن العمل يجب أن يركز على بناء مشروع سياسي حقيقي يدعم المقاومة ويعزز من قدراتها الاقتصادية، مشدداً على أهمية تطوير أدوات اقتصادية مقاومة لضمان استدامة الدعم للمقاومة.
فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، أكد طعمة أن الرئيس السوري بشار الأسد تحدث عن الحروب الاقتصادية التي تواجهها سوريا، مما يستدعي تطوير أدوات اقتصادية تضمن قدرة الشعوب المقاومة على التصدي لهذه الضغوط. ودعا إلى مناقشة هذه القضايا بوضوح في وسائل الإعلام، وعدم الانجرار وراء المبالغة في تأثير الضربات الإسرائيلية على البنى التحتية.
حول الاعتداءات التي وقعت في لبنان وإيران واغتيال قادة مثل شكر وهنية، رأى طعمة أن الهدف من هذه العمليات هو استنزاف المقاومة في فلسطين ولبنان عبر ضرب دعمها اللوجستي الموجود في سوريا. وأشار إلى أن هذه التحركات تهدف إلى جر المنطقة إلى حرب شاملة.
وفيما يخص الدعوة التي وجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتعاون بين سوريا ومصر وتركيا لمواجهة التهديد الإسرائيلي، قال طعمة إن هذه الدعوة تأتي في إطار الانفتاح التركي على دول الجوار، لكنها تفتقر إلى خطة عمل حقيقية أو خارطة طريق واضحة. وأكد أن التقارب بين هذه الدول يستدعي خطة زمنية واضحة تترافق مع خطوات بناء الثقة بين الأطراف المعنية.
كما تطرق طعمة إلى السياسة التركية في المنطقة، مشيراً إلى أن تركيا تواجه ضغوطاً داخلية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بملف اللاجئين السوريين. وأوضح أن تركيا تدرك جيداً أن تحسين العلاقات مع سوريا سيسهم في تعزيز أمنها القومي، خصوصاً في مواجهة الدعم الأمريكي للانفصاليين الأكراد، الذين يشكلون تهديداً مشتركاً على أمن البلدين.
ورأى طعمة أن تركيا كانت تسعى في السابق لتوسيع نفوذها عبر دعم الإسلام السياسي، لكنها فشلت في ذلك، مما دفع أردوغان لتغيير سياساته بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وأشار إلى أن العلاقات السورية التركية ليست مجرد علاقات ثنائية بين دولتين، بل هي علاقات متشابكة تتأثر بمصالح إقليمية ودولية معقدة. وتحدث طعمة عن العقبات التي تعترض طريق التقارب، مثل المؤسسات التركية التي تم تأسيسها في شمال سوريا ومحاولة طمس الهوية السورية.
وتطرق طعمة إلى اجتماعات تركيا مع المعارضة السورية، مشيراً إلى أن هذا يعكس تناقضاً في السياسة التركية، حيث تؤكد أن اللقاءات ليست هي الهدف النهائي، بل المطلوب هو اتخاذ خطوات حقيقية لبناء الثقة بين الأطراف المعنية. وأوضح أن التصريحات التركية حول الاجتماعات مع المعارضة لا تكفي لتغيير الواقع، وأن هناك حاجة ملحة لإجراءات ملموسة تشمل فتح المعابر وإيقاف دعم الإرهابيين، والتي من شأنها أن تعزز الثقة وتساعد في التوصل إلى حلول حقيقية.
وبشأن المعارضة السورية، قال طعمة إن “الائتلاف” المعارض لا يعتبر خطوة مهمة في السياق الحالي، وأكد أن الحلول تكمن في التركيز على فتح المعابر وإدارة العمليات الإنسانية بشكل فعال. وأشار إلى أهمية أن تكون العلاقات بين سوريا وتركيا متوازنة ومتبادلة، مع مراعاة المصالح المشتركة وتجنب التدخلات في الشؤون الداخلية.
وأشار طعمة إلى أن الجماعات المسلحة هي المستفيد الوحيد من استمرار العداء بين سوريا وتركيا، حيث تعمل على عرقلة أي تقارب ممكن. وأكد أن الغالبية العظمى من الشعبين السوري والتركي يفضلون تحسين العلاقات، وأن المعارضة التركية أظهرت رغبتها في التقارب مع سوريا كجزء من حملاتها الانتخابية.
فيما يتعلق بمخاوف سكان الشمال من المصالحة، قال طعمة إن الدولة السورية هي الضامن الوحيد لجميع المواطنين، بما في ذلك أولئك الذين قد يختلفون معها. وأكد أن هناك محاولات لتسويق المخاوف من التقارب التركي السوري على أنها بروباغاندا إعلامية تهدف إلى التأثير على القرار التركي.
وبالنسبة للأحداث الأخيرة في شمال سوريا، أشار طعمة إلى أن هناك مكونات غير سورية ضمن المليشيات التي تقاوم الدولة السورية، وهي مدعومة من الولايات المتحدة. وأوضح أن هناك محاولات لتغيير ديمغرافيا المنطقة وعرقلة فتح الحدود السورية العراقية، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً للجهود السياسية.
وتطرق طعمة إلى مسار المصالحة العربية، موضحاً أن هناك تطورات في بعض الدول الأوروبية بشأن فتح السفارات والعلاقات مع سوريا، لكنه أكد أن هذه الخطوات لا تزال غير كافية. وشدد على ضرورة تحقيق تقارب ملموس على الأرض يعزز من الاستقرار ويعود بالنفع على الشعب السوري، الذي يعاني من تبعات الحرب.
وفي الختام، أكد طعمة أن دول المنطقة كلها تواجه مخاطر كبيرة، مشيراً إلى أن سوريا وتركيا يجب أن تتعاون لمواجهة التهديدات المشتركة. وأوضح أن الوضع الدولي يشهد مخاضاً حقيقياً، وأن الحروب الكبيرة التي تشهدها المنطقة تتطلب تحركاً منسقاً وشاملاً من جميع الأطراف المعنية.