العالم يصمت أمام الصدمة ولبنان يضمد جراحه بالوحدة والتكاتف الوطني، والمقاومة تتوحد برد قاسٍ…
نزل الهجوم الإلكتروني الإسرائيلي الذي استهدف أعدادا كبيرة من المواطنين اللبنانيين، مدنيين ومقاومين، في أماكن مختلفة من لبنان كالصاعقة، ليس على المناطق التي وقعت فيها تفجيرات أجهزة البيجر فحسب، وإنما على لبنان والمنطقة والعالم. ذلك لأن الهجوم الإرهابي الوحشي، الذي نفذته وفق كل التحليلات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، هو حادث خطير وجديد، لم يحدث من قبل في أي مكان من العالم، ويعد جريمة حرب جماعية، كما يعد وفق قواعد الاشتباك القائمة خرقا أمنيا كبيرا للمقاومة اللبنانية، التي كانت دائما تعتمد الخطط السرية وتحذر من استخدام التكنولوجيات والهجمات السيبرانية للنيل منها. إلا أن اعتماد كيان الاحتلال على الحرب الهجينة وحرب العقول كان يشكل تحديا جوهريا أمام المقاومة في المنطقة.
ومع أن حكومة الاحتلال المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو التزمت الصمت، واكتفت بالإعلان عن الاستنفار الكامل في الموانئ والمطارات والمواقع الحساسة تحسبا من رد حزب الله، إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية ذكرت أن وزير الحرب الإسرائيلي يواف غالانت اتصل بنظيره الأمريكي لويد أوستن وأبلغه بأن إسرائيل ستشن هجوما كبيرا على لبنان، وذلك قبيل الهجوم السيبراني الإجرامي بفترة قصيرة. فيما أعلنت مصادر لبنانية أن الجامعة الأمريكية في بيروت قامت قبل أيام بسحب أجهزة البيجر من موظفيها، وسط تساؤلات حول هذه الخطوة.
ورغم هول الكارثة ووحشية الجريمة، إلا أن ما خفف عن اللبنانيين تلك اللحظات القاسية بعد انفجار الأجهزة المتزامن في مناطق مختلفة من لبنان في الجنوب والبقاع والعاصمة بيروت وفي أماكن متفرقة في أنحاء البلاد، هو حالة التكاتف والتعاضد والتعاون التي أظهرها اللبنانيون في مواجهة الجريمة الإسرائيلية التي لا شبيه لها في التاريخ. جريمة قتل دنيئة بلا أخلاق وبلا قواعد، حيث أدت تفجيرات أجهزة البيجر إلى استشهاد 12 مواطنا بينهم طفلة، وإصابة 2800 إصاباتهم حرجة في معظمها، فقد انفجرت الأجهزة في لحظة واحدة في وجه مستخدميها ومن بجوارهم وأدت إلى ضرر كبير في الوجه والعينين والأنف، وكان ضررها جسيما وفق ما نشرته وسائل الإعلام التي أظهرت الكثيرين مضرجين بالدماء.
وفيما أصدرت المقاومة اللبنانية عدة بيانات متلاحقة أكدت فيها مواصلة عملياتها لإسناد غزة ومقاومتها والدفاع عن لبنان، مشيرة إلى أن ذلك ينفصل عن الحساب العسير الذي ينتظر كيان الاحتلال الإسرائيلي ردا على جريمة تفجيرات أجهزة البيجر.
وحملت المقاومة اللبنانية إسرائيل المسؤولية عن الجريمة وأكدت استمرار جاهزيتها للدفاع عن لبنان ومواصلة دعم ونصرة جبهة غزة، فيما أظهر اللبنانيون في مختلف المناطق تكاتفا وتضامنا وطنيا بعد الجريمة الدنيئة التي ارتكبتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بحق لبنان. ووقفت جميع القوى والشخصيات والأحزاب السياسية في موقف تضامني مع حزب الله، الذي استغرق وقتا في تشييع شهدائه وتضميد جراحه وجرحى الهجوم الوحشي. المقاومة كان عليها أن تنتظر لأكثر من 48 ساعة لكي تسمع كلمة يلقيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اليوم الخميس.
النائب اللبناني في كتلة المقاومة علي عمار، الذي استشهد نجله جراء العدوان الإلكتروني الإسرائيلي، أكد أن المقاومة ستستمر في قبضتها الحديدية ومواجهتها وصولا إلى تحرير فلسطين. أما رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري فقد وصف الجريمة بأنها جريمة حرب، فيما أكد وزير الصحة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض أن الانفجارات كانت خطيرة ومن دون إنذار، وأن الجروح حرجة في معظمها، وأشار إلى أن عدد الشهداء 12، وعدد الإصابات أكثر من 2800. ونوه الوزير اللبناني بعمل الطواقم الطبية وأشار إلى أن مئة مشفى ساهمت في استقبال الجرحى، وأن المواطنين لبوا نداء الوزارة بالتبرع بالدم، ودعا إلى وقف إطلاق النار من غزة وفي لبنان والمنطقة.
ورغم أن الجريمة هزت الضمير العالمي، إلا أن صوت مجلس الأمن بقي خافتا وضعيفا بسبب الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل، والذي استخدم الفيتو خمس مرات لمنع صدور قرار لوقف إطلاق النار في غزة.
وفيما ندد القائم بأعمال بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة هادي هاشم بالاعتداءات الإسرائيلية التي أدت إلى جرح الآلاف واستشهاد عدد كبير من المدنيين في مختلف أنحاء البلاد، قد أدانت سورية التي أصابها الإرهاب الوحشي الإسرائيلي بسبب وجود عدد من المواطنين الذين يحملون أجهزة البيجر على أراضيها، الهجوم. وأكدت الخارجية السورية في بيان أن هذه الجريمة الدموية الجديدة التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين في لبنان تعكس رغبة إسرائيل في توسيع رقعة الحرب وتعطشها إلى سفك المزيد من الدماء، معربة عن تضامن سورية القوي مع الشعب اللبناني الشقيق ووقوفها إلى جانبه في حقه في الدفاع عن نفسه، مؤكدة ثقتها بقدرته على مواجهة هذا العدوان الصهيوني الغادر.
يحيى كوسا