في سياق الحديث المتواصل عن احتمالات الهجوم البري الإسرائيلي على لبنان، والترويج الإعلامي الأمريكي المكثف لهذا الموضوع، أكد أحمد رفعت يوسف، الكاتب والمحلل السياسي، في حديث خاص لشبكة شام نيوز إنفو عبر إذاعة ميلودي إف إم، أن طبيعة الصراع الحالي تجعلنا نتوقع كل الاحتمالات، بما فيها تلك التي تحمل طابع الجنون. وأوضح أن المأزق الذي تعيشه جميع الأطراف، وعلى رأسها الطرف الإسرائيلي، يدفعها إلى محاولة الهروب إلى الأمام. ولكنه أشار إلى أن إسرائيل لو كانت لديها النية الجادة في تنفيذ الهجوم البري، لكانت قد فعلت ذلك في وقت كانت فيه المقاومة في حالة ارتباك واضح بعد تفجيرات البيجر الإرهابية.
وأضاف أحمد رفعت أن الفرص التي كانت متاحة لإسرائيل لشن الهجوم البري كانت متعددة، بدءاً من استهداف قادة المقاومة، ثم تفجير مقر حزب الله الذي أدى إلى استشهاد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، بالإضافة إلى استشهاد عدد من القيادات الأخرى. ورغم ذلك، لم تتخذ إسرائيل قرار الهجوم البري، مما يشير إلى أنها ليست واثقة تماماً من قدرتها على النجاح في تحقيق أهدافها العسكرية. ويرى رفعت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يحاول استغلال أي فرصة قريبة قبل أن تتمكن المقاومة من ترتيب صفوفها بالكامل.
وحول ما تروج له وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن أهداف الهجوم البري، خاصة فيما يتعلق بمسألة إعادة المهجرين، أشار أحمد رفعت إلى أن نتنياهو يسعى إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤيته الخاصة. وتطرق إلى الخرائط التي عرضها نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث رسم صورة لإسرائيل الكبرى ضمن التحالف الإبراهيمي، في مقابل ما وصفه بمحور الشر. ويعتقد رفعت أن إسرائيل لو كانت متأكدة من قدرتها على فرض شروطها السياسية من خلال الهجوم البري، لما ترددت في اتخاذ هذه الخطوة.
وفي السياق ذاته، تحدث أحمد رفعت عن تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي أشار فيها إلى أن جغرافيا فلسطين ضيقة على إسرائيل، وأنها بحاجة إلى توسع جغرافي يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، وربما يمتد حتى الأردن. وذكر رفعت أن هذه الأفكار كانت قريبة من التحقق في وقت إدارة ترامب، الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها.
كما تناول رفعت حديث جاريد كوشنير، صهر ترامب، الذي تحدث عن تحييد حماس وحزب الله كفرصة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤية جديدة. وأكد رفعت أن هذه الرؤية قد تكون جزئياً ممكنة في بعض النواحي، لكن تحقيقها بالكامل على أرض الواقع يعد أمراً شبه مستحيل، خاصة في ظل تعافي المقاومة اللبنانية والفلسطينية واستعادتها لزمام المبادرة.
وتحدث رفعت أيضاً عن دور الصهيوني الفرنسي هنري ليفي في التحريض على تشكيل شرق أوسط جديد، وكيف عبر ليفي عن رؤيته التي تقوم على أن الشرق الأوسط، وفق تقديره، أصبح في حالة من السيولة التي تتيح إعادة تشكيله بشكل جذري. واعتبر رفعت أن ليفي وكوشنير يعبران عن رؤية مشتركة للصهيونية العالمية، تسعى إلى تحقيق مشروع إسرائيل الكبرى، لكن واقع المقاومة على الأرض يجعل تحقيق هذه الطموحات أمراً بالغ الصعوبة.
وأشار رفعت إلى أن حزب الله والمقاومة الفلسطينية يشكلان خط المواجهة الأول مع إسرائيل، لكن ما حدث منذ بداية الربيع العربي وحتى اليوم، وخاصة في سوريا، يثبت أن المخططات الصهيونية لم تحقق أهدافها بالكامل. وأكد أن منطقة غرب آسيا وشرق المتوسط هي المفتاح لصعود وهبوط القوى العظمى، وهو ما يجعل هذه المنطقة محط أنظار القوى الاستعمارية القديمة والجديدة على حد سواء.
وحول الموقف الروسي والصيني، أكد رفعت أن انهيار المقاومة في لبنان وفلسطين سيؤدي إلى تغييرات جذرية في التوازنات الجيوسياسية العالمية. إذ ستعني خسارة المقاومة نهاية مشروع الحزام والطريق الصيني، كما ستعيد حصار روسيا. وستكون إيران الثورة هدفاً مباشراً لهذا المخطط، إذ يسعى الغرب إلى إسقاط النظام الإيراني الحالي منذ عام 1979، ليحل محله نظام منزوع القوة والمخالب.
وأضاف رفعت أن الهدف النهائي ليس فقط حزب الله أو حماس، بل إن المخطط الأكبر يستهدف سوريا كعمود الفقري للمنطقة. إذا انهار هذا العمود، فإن الهيكل بأكمله سينهار معه، حسب تعبيره. ولكنه أكد أن خط المواجهة الأول الآن هو حزب الله والمقاومة الفلسطينية، التي تمثل القوة الصلبة للمقاومة في المنطقة.
وحول الدور الأوروبي، تناول رفعت زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى بيروت، مشيراً إلى أن فرنسا تشبه امرأة مسنة تحاول إقناع الآخرين بأنها ما زالت شابة. واعتبر أن فرنسا انتهت كدولة عظمى، وأن ما يسمى بالفرانكوفونية لم يعد له وجود فعلي. وأوضح أن فرنسا اليوم مجرد صندوق بريد للولايات المتحدة، ولا يمكن التعويل عليها في حل الأزمات الإقليمية.
وفي الختام، أكد أحمد رفعت أن المقاومة لن تسمح لإسرائيل بتحقيق أي من أهدافها التوسعية، سواء عبر هجوم بري أو غيره. وأن المنطقة ستظل ساحة صراع بين مشاريع الهيمنة الغربية والمقاومة الإقليمية.