تطور ملفت وهام وكبير حقيقةً في الأداء الحكومي ، كما توحي بعض الإجراءات الأخيرة والمناقشات التي تدور في اجتماعات الحكومة الجديدة ولاسيما القرار الأخير حول تشكيل لجنة وزارية مهمتها مراجعة القرارات والصكوك الناظمه لشغل مراكز عمل القيادات الإداريه وآليات تلبية احتياجات الجهات العامه من العاملين.
وكذلك نجد أن هناك مؤشرات مهمة جداً ومشجعة في مناقشات اللجنة الاقتصادية توحي بتغير هام في منهجية التفكير وأسلوب معالجة القضايا الاقتصادية، وهذا ما تجلى في اجتماعها الأخير لمناقشه مشروع الموازنة العامة لعام 2025 وبشكل لم يكن مألوفاً مسبقاً.
الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش في تصريحه لـ “تشرين” أكد أن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى الحالة الاقتصادية الراهنة هو إصرار الحكومات السابقة المتعاقبة خلال الأزمة على تقليص حجم الإنفاق الاستثماري والمبالغة في ضغط الإنفاق الجاري، ما أدى إلى تراجع كبير في الإنفاق العام عموماً، والإنفاق الاستثماري الإنتاجي خصوصاً، فتراجع الإنتاج وكذلك مستوى الخدمات العامة، وأوحى ذلك بعدم الثقة للرساميل الوطنية (المقيمة والمغتربة) وإحجامها عن الاستثمارات الكبيرة والمؤثرة.
من جانب آخر ونتيجة لتقليص الإنفاق العام لجأت الجهات العامة في محاولاتها للالتفاف على هذا الوضع إلى المبالغة في تقدير حجم احتياجاتها الاستثمارية والجارية، بهدف الحصول على الحد الأدنى من الاعتمادات المطلوبة، وكانت وزارة المالية وهيئة تخطيط الدولة تقلص الاعتمادات إلى مستويات تصل إلى حد ربع المطلوب، ما أثر على الثقة بين الجهات العامة والمالية وهيئة التخطيط، وبالتالي أصبحت الموازنات غير موضوعية وغير واقعية والدراسات المرتبطة بها غير دقيقة.
وبالعموم انعكس ذلك وفقاً لما ذكره عياش سلباً على أداء الجهات العامة ولاسيما القطاع العام الاقتصادي، وامتد هذا التأثير السلبي على استثمارات قطاع الأعمال نتيجة تراجع فرص التمويل لدى المصارف وارتفاع تكاليفها.
وبالإضافة إلى ماسبق كانت تعاني الجهات العامة من ضعف إستجابة وزارة المالية وقلة مرونتها بالتعامل مع المتغيرات المؤثرة للغاية على موازنات الجهات العامة، كتغيرات سعر الصرف وتأثيرها على قيم الاعتمادات الفعلية وعلى التعاقدات الخاصة بالمشاريع، وكذلك المتغيرات المتعلقة بالرواتب والأجور، والمتغيرات المتعلقة بالتكاليف ولاسيما تكاليف حوامل الطاقة.
زيادة كتلة الاعتمادات الاستثمارية المخصصة للوزارات والجهات العامة بنسبه إسمية تقارب 63%.
كما يؤكد الخبير الاقتصادي أن هناك تغيراً إيجابياً مبشراً من خلال التعاطي وبشكل مختلف مع تلك السلبيات، وهذا ماتجلى في مناقشة اللجنة الاقتصادية للموازنة العامة لعام 2025 حيث تم التركيز كثيراً على الشق الاستثماري في الموازنة، وهذا ما نعتبره تصحيحاً كبيراً في المسار حيث زادت كتلة الاعتمادات الاستثمارية المخصصة للوزارات والجهات العامة بنسبه إسمية تقارب 63% وبنسبة فعلية لا تقل عن 21%.
وأيضاً هناك أمر لافت جديد وهو اعتماد سعر الصرف الحالي بواقع 13500ل.س.. وهو ثابت نسبياً منذ فترة، وبالتالي يمكن أن يعول عليه، ففي حال ثبات سعر الصرف الحالي والمعتمد في إعداد موازنة 2025 خلال عام 2025 كاملاً، فسوف تكون أرقام الموازنة أقرب الى الواقع وبالتالي يمكن الاستناد عليها في تحقيق الخطط الموضوعة.
كذلك الأمر، تشير مناقشات اللجنة الاقتصادية حول موازنة 2025 إلى الحالة التي أشرنا إليها آنفاً والمرتبطة بعدم الدقة والموضوعية المرتبطة بتقدير احتياجات الجهات العامة لاعتماداتها، وبالتالي أشارت إلى أنه أصبح منطقاً غير مقبول في التخطيط الاقتصادي، لذلك نأمل أن نجد موازنات واقعية وموضوعية قابلة للتحقيق بأرقام فعلية وتلامس الاحتياجات فعلاً، وتساعد القطاع العام بشقيه الإداري والاقتصادي وخصوصاً الاقتصاد الإنتاجي على تحقيق الخطط الاستثمارية وبالتالي المساعدة في زيادة الانتاج، وتحسين الإنتاجية، ورفع مستوى الجودة، ما يؤدي إلى تسريع التعافي على المستوى الاستثماري من ناحية، وممكن أن يؤدي إلى زيادة المعروض السلعي المتاح في السوق، وبالتالي تخفيض فاتورة الاستيراد، وتخفيف الضغط على القطع الأجنبي من ناحية أخرى، كما يمكن أن يساهم في زيادة الصادرات وبالتالي تحسين الميزان التجاري بشكل عام.
اعتماد معايير الأولويات
كما تم التأكيد خلال اجتماع اللجنة الاقتصادية الأخير على اعتماد معايير الأولويات خلال دراسات الجدوى المقدمة للمشاريع العامة. فهناك مشكله حقيقية كانت في مفهوم الجدوى الاقتصادية للمشروعات العامة، حيث إنها كانت تبنى على مقتضيات الوزارة أو الجهة العامة صاحبة الاستثمار وتكيفها مع الاعتمادات المحتملة.
ولكن كما هو معروف هناك تشابكات وارتباطات مع بقيه المشاريع الاستثمارية، وبالتالي ضرورة تحقيق الجدوى الاقتصادية على المستوى العام، وخصوصاً في معيار الجدوى الاقتصادية والاجتماعية، أي معايير المنفعة القومية، وهي أكبر وأشمل من معايير الجدوى الاستثمارية، وبالتالي هناك مشروعات كان يتم رفضها رغم أنها تحقق الجدوى كحالة استثمارية، ولكنها قد لا تكون ذات جدوى فعلية على مستوى التحليل الكلي بمفهوم المنفعة القومية، وبالتالي يجب التأكيد على هذا الجانب واعتماد دراسات الجدوى وفق معايير صحيحة ودقيقة وتأخذ بعين الاعتبار مفهوم المنفعة القومية، لأن المشروعات الاستثمارية التي ترتبط بالقطاع العام غالباً ما تكون مشروعات استثمارية كبيرة وترتبط بالبنى التحتية الأساسية، وبالتالي هي ذات منفعة قومية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في معايير تحديد دراسات الجدوى واعتمادها لدى هيئة التخطيط والتعاون الدولي.