لا شك أن العالم بأسره، وبالتحديد الجزء الغربي منه قد تابع ما تناقلته وسائل الإعلام العالمية خلال النصف الثاني من العامالماضي أخبار الزيارة التاريخية للسيد الرئيس بشار الأسد والسيدة الأولى أسماء الأسد إلى جمهورية الصين الشعبية والتي جاءت بدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ، والتي تعد الزيارة الرئاسية الأولى منذ عام 2004 إلى الصين.
ووفق العديد من المحللين والخبراء فإن الزيارة اتسمت بأهمية خاصة نظراً للموقع الجغرافي لسورية ضمن مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013.
واتفقت بكين ودمشق على إقامة “شراكة استراتيجية” حسبما أعلن شي جينبينغ خلال لقائه بشار الأسد في هانغجو شرق البلاد على هامش دورة الألعاب الآسيوية. وتعد الصين ثالث دولة غير عربية بعد روسيا وإيران يزورها الرئيس السوري خلال سنوات النزاع المستمر في بلاده منذ 2011، كما منحته دعمها في مجلس الأمن عبر الامتناع بانتظام عن التصويت على القرارات المعادية للنظام السوري الشرعي.
تعتبر الصين الشرق الأوسط عامة وسورية خاصة منطقة ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية وأمنية لها. ويعود تاريخ العلاقات الصينية – السورية إلى مئات السنين، إذ شكلت سورية الطريق التجاري الذي ربط بلاد الصين ببلاد العرب والذي عرف بطريق الحرير قديماً. ومنذ نشأة جمهورية الصين الشعبية منتصف القرن الماضي اهتمت بكين بسورية واعتبرتها النقطة الأضعف للنفوذ الغربي في منطقة الشرق الأوسط، وخط الدفاع الأول عن مصالح الصين في آسيا الوسطى والقوقاز، وبلد العبور لمعظم النفط العراقي ما بين عامي 1934 و1982 والكثير من النفط السعودي ما بين عامي 1973 و1982 .
وقال الرئيس السوري بشار الأسد إن “هذه الزيارة مهمة بتوقيتها وظروفها حيث يتشكل اليوم عالم متعدد الأقطاب سوف يعيد للعالم التوازن والاستقرار، ومن واجبنا جميعا التقاط هذه اللحظة من أجل مستقبل مشرق وواعد”. وأضاف: “أتمنى أن يؤسّس لقاؤنا اليوم لتعاون استراتيجي واسع النطاق وطويل الأمد في مختلف المجالات…”.
وتشكّل هذه الرحلة خطوة دبلوماسية متقدمة للرئيس السوري الذي نادرا ما يغادر بلاده.
وشهد العام الحالي تغيرات على الساحة الدبلوماسية السورية تمثلت باستئناف دمشق علاقتها مع دول عربية عدة على رأسها المملكة العربية السعودية، واستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية ثم مشاركة الرئيس السوري في القمة العربية في جدّة في مايو/أيار للمرة الأولى منذ أكثر من 12 عاما.
هذا التقارب أسال العرق البارد للحكام والأنظمة الغربية التي كانت تراهن على سقوط النظام السوري، والذي أرادت اسقاطه من خلال استخدام الميليشيات المسلحة ونشر الإرهاب في المنطقة بل وتلفيق التهم لبشار الأسد كاستخدامه للسلاح الكيمياوي وارتكابه جرائم ضد الأبرياء، وهي جرائم لم يرها إلا الغرب عبر قنواته.
وأخيرا، من بين أهم الأهداف الاستراتيجية للصين في تقوية علاقاتها بسوريا حالياً هو إنشاء نظام اقتصادي وسياسي عالمي متعدد الأقطاب، والابتعاد تدريجياً عن النظام الحالي الذي ترى الصين أنه يخدم مصالح الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، وبعد صعود روسيا كقوة عالمية بعد أكثر من عشرين سنة على انهيار الاتحاد السوفيتي، ترى الصين أن تقارباً مع روسيا سيخدم المصالح الصينية بشكل أكبر.
ويظهر هذا جلياً من خلال تعاون البلدين على مستوى المؤسسات الدولية والإقليمية؛ حيث ينسق البلدان جهودهما في إطار مجموعة دول البريكس؛ التي تخطط لإنشاء بنك وصندوق مساعدات على غرار المؤسستين الماليتين الغربيتين: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وفي سياق آسيوي أنشأت الصين منظمة شنغهاي للتعاون لتوفير آلية للتعاون المشترك بين روسيا والصين (وباقي الدول الأعضاء في هذه المنظمة) في منطقة آسيا الوسطى.
ولطالما ساهم الموقف الصيني-الروسي في تعقيد عملية وخطة الغرب حول اسقاط النظام السوري عبر الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري للنظام، وما الدخول الروسي المباشر على المشهد السوري ومحاولة تأطير الحل السياسي وفق رؤيته، ولكن بخطوات تدريجية تسهّل السيطرة على تداعياتها وتحافظ على شكل النظام المفيد والتعاون الذي يخدم مصلحة كل الأطراف.
هذا المقال يعكس رأي الكاتب فقط وليس رأي الموقع.