في ظل الأجواء السياسية المتوترة التي تشهدها الساحة الدولية، يبرز تأثير الانتخابات الأمريكية على مواقف الدول الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين تركيا وسوريا. تناول أحمد رفعت يوسف، الكاتب والمحلل السياسي خلال حديثه لبرنامج المحلل عبر إذاعة ميلودي إف إم،، جوانب متعددة من هذا التأثير، مشيراً إلى أن التطورات السياسية في المنطقة تتجاوز بكثير مجرد الانتخابات الأمريكية.
أوضح يوسف أن الوقت قد فات لتوقع تغييرات جذرية في السياسات الخارجية نتيجة الانتخابات، خاصة مع اقتراب موعدها. ورغم أهمية الانتخابات، إلا أنه اعتبر أن الصراع في المنطقة أكبر من أن يتأثر بمجرد أحداث سياسية داخلية في الولايات المتحدة. فقد أكد أن الانتخابات قد تحمل في طياتها بعض المفاجآت، إلا أن هذه المفاجآت لن تكون كافية لإحداث تغييرات كبيرة في موازين القوى. فعلى سبيل المثال، قال يوسف إن الوجود الأمريكي في المنطقة وتورطها في الصراعات لا يمكن أن يتأثر بشكل جذري بوجود رئيس جديد، إذ إن السياسات الخارجية تُصاغ ضمن إطار أوسع يمتد لعقود.
وفي ما يخص الوضع في كورسك الأوكرانية، لفت يوسف إلى أن هناك من راهن على أن روسيا ستنتظر انتهاء الانتخابات الأمريكية قبل اتخاذ قرارات حاسمة، إلا أن القوات الروسية تدخلت بشكل مفاجئ، مما يدل على أن قرارات روسيا لا تتعلق بالانتخابات الأمريكية. هذا التصرف الروسي يعكس رغبة موسكو في تحقيق أهدافها الاستراتيجية دون الانتظار لتغيرات سياسية قد لا تؤثر على استراتيجيتها العامة.
أما بالنسبة للفرق بين المرشحين الأمريكيين، ترامب وهاريس، فقد أوضح يوسف أنه لا ينبغي إيلاء أهمية كبيرة لشخص الرئيس المقبل بقدر ما يجب التركيز على الإدارة العميقة التي تدير السياسة الأمريكية. وأشار إلى أن هذه الإدارة، بغض النظر عن من يتولى الرئاسة، ستظل تعمل ضمن إطار معين يعكس مصالح أمريكا التقليدية، مما يعني أن الاختلافات بين المرشحين قد تكون شكلية في نهاية المطاف. يصف يوسف هذا الوضع بكونه “طريقاً واحداً”، حيث يسير الجميع، سواء على اليمين أو اليسار، في نفس الاتجاه العام.
استشهد يوسف بتصريحات لافروف، وزير الخارجية الروسي، التي تعكس فهمه العميق للمشهد الدولي. إذ صرح لافروف بأن روسيا لا تراهن على أي فائز في الانتخابات الأمريكية، لأن أي رئيس قادم سيعتبر روسيا عدوة لأمريكا. هذه التصريحات تشير إلى أن روسيا تستعد لتعامل مع أي إدارة جديدة في الولايات المتحدة بنفس الطريقة، دون أن تنتظر أو تعتمد على النتائج.
يوسف يعتقد أن لافروف يتمتع بقدرة فريدة على قراءة الأحداث المستقبلية، مشيداً بملاحظاته السابقة حول أن مصير العالم سيحدد بناءً على نتائج الأزمة السورية. ففي عام 2012، أعرب لافروف عن اعتقاده بأن النزاع في سوريا سيكون له تأثير عميق على إعادة تشكيل القوى في المنطقة. وقد أثبتت الأحداث اللاحقة صحة تلك القراءة، حيث أدت التطورات في سوريا إلى تغييرات جذرية في موازين القوى في الشرق الأوسط.
بالنظر إلى العلاقات التركية السورية، يرى يوسف أن هذه العلاقات بحاجة إلى إعادة تقييم من قبل تركيا. فمع تصاعد التهديدات الأمنية والتحديات السياسية، لا بد من أن تستشعر أنقرة خطر الانعزال. التحولات في السياسة الإقليمية قد تدفع أردوغان إلى اتخاذ خطوات عملية نحو تحسين العلاقات مع دمشق. فهو يدرك أن استعادة العلاقات مع سوريا قد تكون أحد مفاتيح تعزيز الأمن القومي التركي.
في هذا السياق، تناول يوسف الجهود التركية الأخيرة لتحسين العلاقات مع سوريا، واعتبر أن هذه المساعي ليست محصورة في تحسين العلاقات الدبلوماسية فحسب، بل تتضمن أيضاً خطوات ملموسة على الأرض، مثل التعاون في مكافحة الجماعات المسلحة التي تعتبرها تركيا تهديداً لأمنها. هذه الخطوات قد تكون دليلاً على إدراك تركيا أن الصلح مع سوريا هو الطريق الأفضل لتجنب المزيد من المخاطر التي قد تضر بمصالحها.
في الختام، يؤكد أحمد رفعت يوسف أن الانتخابات الأمريكية قد لا يكون لها تأثيرات مباشرة كبيرة على السياسات التركية أو الروسية، ولكنها تعكس مجريات الأمور في العلاقات الدولية. إن الدول ستواصل سعيها لتحقيق مصالحها الذاتية على الرغم من التحولات السياسية في الولايات المتحدة. وبالتالي، فإن المراقبة الدقيقة لمجريات الأحداث وتحليلها بموضوعية قد يسهمان في فهم أعمق للعلاقات الدولية وكيفية تطورها في ظل الظروف المتغيرة.