تشكل العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة أحد أهم ركائز الاستقرار الاجتماعي والسياسي، إلا أن هذه العلاقة كثيراً ما تأثرت بسبب ضعف الاستجابة لمطالب الناس وتراكم الشكاوى التي لا تجد طريقها للحل. في هذا السياق جاء قرار بلدية اللاذقية بإنشاء مكتب خاص لمتابعة الشكاوى كخطوة أولى من نوعها تهدف إلى فتح قنوات مباشرة للتواصل مع المواطنين، والبحث عن حلول عملية للمشكلات التي تواجههم، في محاولة لإعادة جسور الثقة بين الإدارة والمجتمع.
أهمية المكتب الجديد
تكمن أهمية هذا المكتب في كونه مساحة رسمية وآمنة يمكن للمواطن أن يعبر من خلالها عن همومه ومشكلاته دون الحاجة إلى انتظار طويل أو الدخول في دوامة البيروقراطية. المكتب لا يكتفي بتلقي الشكاوى فقط، بل يتابعها بشكل فعلي مع الجهات المختصة حتى التأكد من إغلاقها وإنهائها، وهو ما يمنح المواطن شعورا بأن صوته مسموع وأن ملاحظاته تلقى الاهتمام المطلوب. كما أن وجود قناة تواصل حديثة مثل خدمة الواتساب يسهّل عملية تقديم الشكاوى ويجعلها أكثر سرعة ومرونة.
استعادة الثقة
من أبرز التحديات التي واجهت المؤسسات العامة في السنوات الماضية ضعف ثقة المواطن بقدرتها على الاستجابة لمطالبه. ومع هذه المبادرة الجديدة، يبدو أن هناك توجهاً جاداً نحو إعادة ترميم تلك الثقة، إذ إن المتابعة المباشرة للشكاوى ومحاسبة أي تقصير من قبل الموظفين أو الإدارات يعطي انطباعًا مختلفًا عما اعتاد عليه الناس سابقًا. هذه الخطوة تحمل في طياتها رسالة واضحة مفادها أن الإدارة المحلية تريد أن تكون أقرب إلى المواطن وأكثر شفافية في عملها.
التحديات أمام نجاح المبادرة
ورغم ما تحمله هذه الخطوة من أهمية، إلا أن نجاحها يتوقف على عوامل عدة، في مقدمتها الجدية في التعامل مع كل شكوى على قدم المساواة، وعدم ترك أي قضية من دون حل. كما يتطلب الأمر وجود كوادر إدارية مؤهلة قادرة على المتابعة السريعة والتواصل الفعال مع مختلف الجهات، إضافة إلى إشراف مباشر من قبل المحافظة لضمان الاستمرارية والالتزام. فالمواطن لن يستعيد ثقته إلا إذا لمس نتائج حقيقية على أرض الواقع، وإلا فإن المكتب سيتحول إلى مجرد واجهة شكلية بلا تأثير فعلي.
يمكن القول إن إنشاء مكتب متابعة الشكاوى في اللاذقية يمثل بارقة أمل وخطوة أولى في طريق طويل نحو تحسين العلاقة بين المواطن ومؤسساته. هذه المبادرة قد تكون نقطة انطلاق نحو بناء إدارة محلية أكثر شفافية وفاعلية، لكنها في الوقت نفسه اختبار جدي لمدى التزام المسؤولين بترجمة وعودهم إلى أفعال. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل سينجح المكتب في تحويل الشكوى إلى حل ملموس يعيد ثقة المواطن، أم سيظل تجربة عابرة لا تترك أثرًا حقيقيًا؟
عبير محمود – أخبار الشام sham-news.info