أجواء الحرب تخيم على الولايات المتحدة الأمريكية والحرس الوطني ينتشر في الشوارع وأسقف المنازل في واشنطن… وبنسلفانيا بيضة القبان
يراقب العالم باهتمام ثالث انتخابات أمريكية على التوالي يخوضها المرشح الجمهوري الشعبوي الرئيس الأسبق دونالد ترامب، الذي هزم هيلاري كلينتون في الأولى عام 2016 وخسر في الثانية 2020 أمام الرئيس الحالي جو بايدن عندما كان سيد البيت الأبيض. أما الثالثة فإنه لا يزال يقف على أعتاب البيت الأبيض ومن غير المعروف إذا كان سيدخله سلمًا أم حربا. فأجواء التصويت في أمريكا أجواء حرب وليست أجواء انتخابات، حيث الاتهامات بالتزوير تسبق عملية إصدار النتائج، فيما نشرت السلطات الأمريكية قوات الحرس الوطني في شوارع العاصمة واشنطن، والقناصة على أسطح البنايات، والرهان الكبير على ولاية بنسلفانيا المتأرجحة التي شهدت الكثير من الشد والجذب بين هاريس وترامب خلال حملاتهما الانتخابية.
وحدها إسرائيل من بين دول العالم لا يعنيها الفائز بالانتخابات، لأن كلا المرشحين يتنافس لإرضائها، وهذا يزيد من تشفي الحكومة الإسرائيلية وانتقامها من دول المنطقة ومن المقاومة ومن الشعبين الفلسطيني واللبناني في ظل حرب مستمرة منذ أكثر من 13 شهرا.
تشغل الانتخابات الأمريكية العالم، والجميع لديهم شبه يقين بأن أزمة كبيرة في طريقها نتيجة عدم القدرة على إعلان نتائج الانتخابات في القريب العاجل لمعرفة الفائز، ترامب أم هاريس، في ظل وجود مشاكل في ماكينات التصويت وتشكيك كل فريق بالآخر وتجهيزه فريقًا قانونيًا لمقاضاة الآخر. فالانقسام حاد وكبير، والاتهامات المتبادلة وصلت إلى حدود الإسفاف والتهديد، فقد وصف ترامب هاريس بالفاشلة، أما هاريس فوصفت ترامب بالفاشي، وهذه اللغة بين المرشحين انعكست على الشارع الأمريكي الذي يشهد حالة من الغليان والاستقطاب غير المسبوقة. وقد ازدادت هذه الحالة مع تعادل الفريقين وإعلان كل منهما أنه الفائز حتى قبل إعلان النتائج الرسمية.
ليست أجواء انتخابات تلك التي تجري في الولايات المتحدة، وإنما أجواء حرب بين فريقين يختلفان على كل شيء. ففريق يريد جني الأموال والأرباح والاستثمار في الدولار الذي تسعى واشنطن لتحويله إلى قطعة أثرية عالمية لا غنى عنها، وفريق يعشق الصلف والهيمنة وقهر الشعوب وإشعال الحروب، تمثله إدارة بايدن الديمقراطية التي تسعى للاستمرار عبر كامالا هاريس. تتسع الخلافات الداخلية حول قضايا الهجرة والإجهاض والضرائب والبطالة، إلا أن الخلاف الأساسي والجوهري الذي أظهرته الحملات الانتخابية المحمومة بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس يتعلق بعلاقة أمريكا مع العالم؛ فالجمهوريون بقيادة ترامب يرفعون شعار “أمريكا أولا وأمريكا العظيمة”، بينما يرفع أنصار هاريس شعار العولمة، الذي تحاول من خلاله الولايات المتحدة تعميم نموذج الهيمنة والحروب والثورات الملونة والتبعية ومواصلة حربي أوكرانيا وغزة.
وقد اجتمعت كل هذه التناقضات في ظل تعادل شبه تام بين ترامب وهاريس. ومع انتهاء عمليات التصويت، فإن الولايات المتأرجحة، وبخاصة ولاية بنسلفانيا، قد تحسم المعركة، إلا أن انعدام الثقة بين الطرفين يضاعف الشكوك بالتزوير من قبل أنصار ترامب على الأقل، إذ يسيطر الفريق الآخر على السلطة ويمتلك القدرات الأكبر للقيام بالتزوير. لكن لماذا تعد بنسلفانيا الولاية الأهم في هذا السباق؟ لأن هاريس حصلت على 226 صوتا من مجموع الأصوات الانتخابية، فيما حصل ترامب على 219 صوتا حتى الآن. ومن يفوز بولاية بنسلفانيا، التي تجمع 19 صوتًا انتخابيًا، يقترب من حسم المعركة، التي تدور وسط إجراءات أمنية مشددة، حيث قامت السلطات الأمريكية لأول مرة بنشر قوات الحرس الوطني في شوارع العاصمة واشنطن وعلى أسطح المنازل بانتظار إعلان نتائج الانتخابات التي يزعم كلا المرشحين أنه الفائز فيها.
والسؤال هنا: إذا كان ترامب قد أقر بالهزيمة على مضض في المرة السابقة، واكتفى أنصاره باقتحام الكابيتول وكان وقتها ترامب يتمتع بقدرات كبيرة بكونه الرئيس وسيد البيت الأبيض، فما عساه سيفعل اليوم وخصومه قد جمعوا له كل قوتهم لإخراجه من السباق كما في المرة السابقة؟
إنها معركة محمومة تهدد باندلاع حرب أهلية في الولايات المتحدة، فيما يراقب العالم كيف تتحول هذه الدولة الإمبراطورية، التي تزعم الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، إلى بؤرة للفوضى والعنف والخوف. ولا يزال العالم يتذكر كيف قضى المواطن الأمريكي جورج فلويد خنقا بنار الحقد والتشفي والكراهية على يد عناصر الشرطة الأمريكية. فهل سيتكرر المشهد اليوم وتبتلع واشنطن والولايات الأمريكية الطعم وتشرب من الكأس المر الذي سقته للكثير من شعوب العالم عبر الثورات الملونة والربيع العربي وغيرها من التسميات؟
الأزمة كبيرة وعميقة وجدية وحادة هذه المرة، وربما على العالم الانتظار طويلا ليتعرف على الفائز: ترامب أم هاريس.