في حديثه لشبكة شام نيوز إنفو عبر إذاعة ميلودي إف إم، تحدث الدكتور محمود عبد السلام، الخبير العسكري والاستراتيجي، عن إخفاقات الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أهدافه وتصعيده الأخير، معتبراً أن إسرائيل الآن في موقفٍ صعب، حيث تسعى للحفاظ على ما تبقى من ماء وجهها. ولأول مرة، نجد الاحتلال الإسرائيلي يلجأ إلى وسيط روسي، في خطوة غير مسبوقة، بحثاً عن اتفاق وقف إطلاق نار، بعد أن باتت وساطة أمريكا غير مقبولة لدى محور المقاومة، إذ ينظر لها باعتبارها طرفاً داعماً لإسرائيل، بينما يعتبر الأوروبيون شركاء في جرائمها، مما دفع بإسرائيل ونتنياهو تحديداً للتوجه إلى روسيا لطلب وساطة الرئيس بوتين. ولكن حتى مع هذا الوسيط، لن تكون إسرائيل قادرة على فرض شروطها، فقد وضعت المقاومة قواعد صارمة تتمسك بالسيادة اللبنانية، وترفض أي اتفاق يعتبر تنازلاً أو خضوعاً لدماء الشهداء.
وتعليقاً على الوساطة الأمريكية، أشار عبد السلام إلى أن المفاوضات التي تقودها واشنطن لا تعدو كونها محاولات لاستغلال الضغوط العسكرية لصياغة اتفاق يخدم مصالح إسرائيل. فالمبعوث الأمريكي لا يأتي إلى المنطقة إلا بعد تصعيد عسكري إسرائيلي واسع، أملاً بأن يجد الوضع قد نضج بما يكفي لتقديم “اتفاق” بشروط تعجيزية، تتواءم مع الطموحات الأمريكية والإسرائيلية. ومع ذلك، لم تلقَ هذه الشروط قبولاً لدى محور المقاومة، خاصة أن هدف المبعوث الأمريكي هو تعديل القرار 1701 بطريقة تخدم إسرائيل، غير أن القانون الدولي لا يتيح تعديل قرار صادر عن الأمم المتحدة، إلا عبر قرار جديد بموافقة مجلس الأمن، ما يعزز قوة الجانب اللبناني في رفض المطالب الأمريكية.
وأوضح الدكتور عبد السلام ازدواجية المعايير التي تتبعها واشنطن وتل أبيب في تفسير القانون الدولي، مشيراً إلى حق إيران وسوريا في الدفاع عن نفسيهما وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. ومع ذلك، تعتبر هذه الدول إرهابية حين تمارس حقها المشروع في الدفاع عن أراضيها، بينما يجتمع المجتمع الدولي لدعم كيانات مثل إسرائيل وأوكرانيا، ما يعكس ازدواجية واضحة في المعايير، ويؤكد عدم احترام واشنطن للقوانين الدولية إلا بما يتماشى مع مصالحها.
فيما يتعلق بقدرات المقاومة، أكد عبد السلام أن المقاومة اللبنانية، رغم محدودية إمكاناتها التقنية مقارنةً بإسرائيل وأمريكا، استطاعت أن تشكل تهديداً استراتيجياً عبر تطويرها قدراتها العسكرية والاستخبارية. وأبرز ما يميز المقاومة قدرتها على استخدام طائرات مسيرة بسيطة ذات كفاءة عالية. وأشار إلى أن حزب الله قد طور مسيرات تتجاوز منظومات الرادار الإسرائيلية والأمريكية، وقد وصلت إحداها إلى مقربة من مقر إقامة رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو إنجاز يسلط الضوء على ضعف قدرة إسرائيل على التصدي لهجمات كهذه رغم كل إمكاناتها العسكرية.
وللتغلب على التفوق الإسرائيلي والأمريكي في مجالات الاستطلاع والتجسس، لجأت المقاومة إلى استخدام وسائل أكثر بساطة وفعالية، تتلاءم مع البيئة المحلية وتسمح بالحصول على معلومات دقيقة بتكلفة منخفضة. قدم عبد السلام مثالاً عن أفلام وثائقية أنتجها الإعلام الحربي لحزب الله بعنوان “هدهد”، حيث تظهر هذه المسيرات الصغيرة قدرتها على اختراق الدفاعات الإسرائيلية وتصوير مواقع استراتيجية حساسة دون اكتشافها. هذه المسيرات، رغم بساطتها، استطاعت تحقيق نتائج تعجز عن تحقيقها تقنيات استطلاع معقدة تستخدمها إسرائيل.
ووفقاً لعبد السلام، فإن هذه القدرات الاستخباراتية العالية مكنت المقاومة من استهداف مواقع استراتيجية في عمق إسرائيل، بما في ذلك مصانع أسلحة وقواعد عسكرية كبرى مثل قاعدة “زوفون” ومعمل “رافاييل” للصناعات الحربية. ولفت إلى أن إسرائيل فشلت في تدمير بنى حزب الله التحتية كما تدعي، ما يظهر زيف ادعاءات الجيش الإسرائيلي حول قدرته على حسم المواجهات مع جبهات المقاومة.
عبد السلام تحدث أيضاً عن التداعيات الاقتصادية الثقيلة على إسرائيل وأمريكا، مشيراً إلى أن الخسائر الإسرائيلية فاقت التوقعات الرسمية، إذ قدرت بعض التقارير الخسائر بما يزيد عن 65 مليار دولار، بينما تشير التقديرات الحقيقية إلى تريليونات الدولارات. على الجانب الآخر، تواجه أمريكا تحديات متزايدة في حماية مصالحها وحلفائها، فقد بلغت تكاليف التصدي للصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقت من جبهة اليمن وحدها ملايين الدولارات، ما أدى إلى نقص حاد في المخزون الأمريكي من الصواريخ الاعتراضية، الأمر الذي يتطلب فترة طويلة لتعويضه.
بهذه التحديات، يختتم عبد السلام حديثه بأن المقاومة باتت اللاعب الأساسي في المعادلة الإقليمية، إذ تواصل تطوير قدراتها وتهديداتها بشكل يجعل إسرائيل وأمريكا في حالة عجز عن المواجهة، في ظل قوة وتماسك محور المقاومة وثباته على مواقفه.